الأقليات المسلمة في قارة آسيا1

الأقليات المسلمة في قارة آسيا.

مفهوم الأقليات المسلمة: 

الأقليات مسمى تعددت تعريفاته والمعنى واحد، فهي جماعات داخل المجتمع تتميز بخصائص معينة (دينية، لغوية، ثقافية…) وتشكل نسبة صغيرة من إجمالي السكان. وسنسلط الضوء في هذا المقال عن الأقليات المسلمة في قارة آسيا.

اختلف الباحثون فيما بينهم في التفرقة بين مفهومي الأقلية والدولة الإسلامية، فبعضهم يرى أنه إذا زادت نسبة المسلمين في الدولة عن 50% تصبح الدولة إسلامية، والبعض الآخر يرى أنه إذا كان المسلمون أغلبية مقارنة بأصحاب الديانات الأخرى حتى وإن لم يتجاوز نسبتهم 50% تصبح الدولة إسلامية. وهناك فريق ثالث من الباحثين يرى أن المعيار في تحديد إسلامية الدولة هو النص الدستوري أو ديانة رئيس الجمهورية أو تشكيل النظام الحاكم.

معايير تحديد الدول للأقليات المسلمة. 

والعديد من الدول التي توجد فيها أقليات إسلامية لا تتوافر فيها إحصائيات رسمية دقيقة عن التوزيع الديني للسكان، أو أنها تعيش في دولة فقيرة لا تتوافر فيها الإمكانيات المادية والعلمية والفنية لمعرفة نسبة المواليد والوفيات والزواج والطلاق وعدد أفراد الأقليات الدينية. وإذا توافرت تلك الإحصائيات فإن العديد من الدول التي تقيم فيها الأقليات الإسلامية تفرض عليها طوقًا من السرية والكتمان خوفًا من إثارة المشكلات الطائفية.

معاناة الأقليات الإسلامية في آسيا: 

تعاني الأقليات الإسلامية في آسيا كثيرًا من المشاكل الدينية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويعيش معظمها على هامش الدولة. وفي جنوب شرق آسيا أكبر عدد للأقليات التي تعيش في المرتفعات والأحراش، ويحاول المسلمون تحسين أوضاعهم رغم ما يتعرضون له من إبادة ومذابح. ويزيد عدد المسلمين في آسيا باعتبارهم أقليات على 70 و100 مليون مسلم في إحصاء أواخر القرن الماضي، وهو عدد كبير يجعل لأصحابه شأنًا، ولا سيما وأن مناطق سكن هذه الأقليات تجاوز البلدان الإسلامية وعلى تماس معها. ويبلغ عدد الأقليات المسلمة الآن في آسيا ما يزيد على 300 مليون مسلم.

الأقلية المسلمة في جنوب شرق آسيا: 

تنقسم منطقة جنوب شرق آسيا إلى قسمين، القسم الأول هو جزر الهند الشرقية وتشمل إندونيسيا وماليزيا والفلبين وبروناي وغينيا الجديدة وسنغافورة، وهذا القسم في مجمله به أغلبية إسلامية. أما القسم الثاني فهو يشمل شبه جزيرة الهند الصينية وتشمل فيتنام وكمبوديا ولاوس وتايلاند وبورما، وهذا القسم به أغلبية بوذية وأقلية مسلمة.

تمثل عملية انتشار الإسلام في جنوب شرقي آسيا قصة من أعظم قصص انتشار الإسلام في العالم، فالمسلمون لم يذهبوا إلى الشرق الأقصى بجيوش فاتحة، وإنما ذهب المسلمون إلى هذه الأصقاع النائية كتجار ودعاة يدعون إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة.

وكان لعرب جنوب الجزيرة العربية، اليمنيين والعمانيين، نشاط واسع النطاق في هذه الأصقاع النائية من العالم، حيث كان لهم نشاط تجاري بحري، فعبر المحيط الهندي ووصلوا إلى جزر الهند الشرقية مرورًا بجزر المالديف وسواحل الهند وجزيرة سيلان، وكانوا يذهبون إلى بحر الصين مرورًا بما يعرف الآن بإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة والفلبين. فكانوا يحملون متاجرهم إلى هذه الأصقاع ويبيعونها إلى سكان هذه المناطق، وفي نفس الوقت يدعون إلى الإسلام بطريقة غير مباشرة عن طريق صدقهم في التعامل والتزامهم بالأمانة والمعاملة الحسنة التي يتصف بها المسلم في سلوكه، فجذبوا سكان جنوب شرق آسيا إلى الإسلام.

وساعدهم على ذلك النشاط أن عالم الإسلام في العصور الوسطى كان عالمًا غنيًا بمنتجاته وخيراته، هذا إلى أن أهله كانوا يقومون بالدور الأكبر في الملاحة البحرية العالمية وفي تسيير أكبر قدر من القوافل التي كانت تنقل البضائع بين الشرق والغرب.

ورحلة ابن بطوطة (703 هجريًا إلى 779 هجريًا) في القرن الثامن الهجري إلى هذه الأصقاع تدل دلالة واضحة على نشاط المسلمين في هذه الأماكن النائية، فقد كانت هذه الجزر معروفة معرفة تامة عند العرب.

الأقليات المسلمة في الفلبين: 

تقع الفلبين في الجزء الجنوبي الشرقي من قارة آسيا على شكل أرخبيل يضم نحو 7000 جزيرة، وتختلف في تفاوت مساحتها وأبعاد كل واحدة منها عن الأخرى. ويبلغ تعداد الفلبين قرابة 40 مليون نسمة ينتشرون في مجموع هذه الجزر التي تصل مساحتها إلى 300 ألف كيلو متر مربع، وهم موزعون كما يلي: 31 مليونًا من الكاثوليك المسيحيين، وثلاثة ملايين من الإنجيليين، وخمسة ملايين من المسلمين، ومعظم هؤلاء المسلمين يتبعون مذهب الإمام الشافعي، وقرابة مليون من الوثنيين والهندوس والبوذيين.

ويتألف السكان من عنصرين، الأول وهو العنصر القديم يتمثل في سكان البلاد القدماء، ومنهم النجريتو وهما الأقزام الآسيويون ذو اللون الأسود والقامة القصيرة والجسم الصغير، وهؤلاء لا دين لهم. ومن السكان القدماء أيضًا الإندونيسيون ذو اللون الأبيض، ومنهم الملايو، وقد سكن هؤلاء البلاد تباعًا ووصلوا إليها قبل الميلاد.

العنصر الثاني من السكان فقد عرف باسم المورو، وهؤلاء قدموا من الملايو إلى جزر الفلبين على شكل موجتين، حملة الثانية منها الإسلام، وتوزعوا في البلاد، وأطلق اسم المورو أتباع ماجلان إذ رأوهم على شبه مسلمي المغرب.

تعتبر جزيرة لوزون في الشمال، وهي التي تقع فيها العاصمة مانيلا، من أهم الجزر، كذلك جزيرة مندناو في الجنوب حيث تكثر فيها الغابات، ثم جزيرة سولو في الجنوب، وسكانها من المسلمين.

لقد مر وصول العرب والمسلمين وتواجدهم في الفلبين بثلاث مراحل، بدأت المرحلة الأولى قبل الإسلام، وكان يغلب على طابعها الترحل من أجل التجارة غير المستقرة، حين كان العرب يجوبون بمراكبهم شرقًا في المحيط الهندي نحو الهند والجزر المتناثرة في جنوب شرق آسيا بهدف تبادل التجارة ثم العودة إلى بلادهم. وكان معظم هؤلاء من سكان الخليج وشرق وجنوب شرق الجزيرة العربية، وكانت أهم السلع المتبادلة بين الجانبين القرفة والفلفل والزنجبيل وخشب البخور والصندل والزعفران وجوز الهند والأحجار الكريمة.

المسلمون في فيتنام: 

أما المسلمون في فيتنام، قدر عددهم بحوالي ربع مليون، يتركز 40,000 منهم في إقليم كوشانشين، وهو الجزء الجنوبي من فيتنام، ويتوزعون في منطقة تشادوق على حدود كامبوديا، وفي سايجون وتاي نينه.

وفي عام 1381 هـ، قام بعض أفراد من المسلمين التشاميين في كوشان شين بمشاركة بعض التجار الهنود بالدعوة للإسلام، فوجدوا نجاحًا في مهمتهم، وبنوا المساجد وأسسوا الجمعية التشامية الإسلامية الفيتنامية. وسمحت الحكومة لبعض التشاميين بدخول مجلس النواب والشيوخ، ولكن لا يسمح لهم بالالتحاق بالتجنيد أو الكليات العسكرية.

وقد عانى المسلمون عندما استولى الشيوعيون على فيتنام الجنوبية، ففروا خارج البلاد، وتعرضوا للقتل الجماعي، وتم دفنهم أحياء في بعض المدن، كما نكل بهم في هانوي، وزج بالآلاف منهم في السجون، وكان لا يسمح لهم بأداء الصلاة، وتقام صلاة الجمعة بعد الحصول على تصريح من السلطات.

والاتصالات ضعيفة بين مسلمي فيتنام والعالم الإسلامي، وإن كانت في السنوات الأخيرة قد شهدت بعض التحسن، ولا سيما في عام 2001، حدث اتصال بينهم وبين رابطة العالم الإسلامي عندما وصل وفد إلى هانوي.

وما زال المسلمون في فيتنام يعانون من الفقر وعدم وجود المدارس الإسلامية ونظرة الوعظ.

المسلمون في كمبوديا: 

أما عن المسلمين في كمبوديا، فقد وفدوا إليها بعد فرار التشاميين من فيتنام، والحكومة لا تعترف بهم وتمنعهم من أداء فريضة الحج. وقد عاشت التشاميون في كمبوديا في كره خاصة لهم في مجتمع يختلف عنهم في العقيدة واللغة والعادات.

وفي عام 1390 هجريًا، ظهرت جمعيتان، الجمعية الإسلامية المركزية في كمبوديا وتشرف على أوضاع المسلمين الاجتماعية والثقافية، وجمعية الشبان المسلمين، والهدف منها حل مشاكل الطلاب العلمية والاجتماعية والدينية، حيث يرفض المسلمون إرسال أولادهم إلى المدارس الحكومية خوفًا على عقيدتهم.

وإبان فترة الحكم الشيوعي، تعرض المسلمون للقتل الجماعي، فأعلنوا الجهاد المقدس، وانضموا إلى جهة فول رو في المناطق الجبلية، ولكن عددًا كبيرًا منهم فروا خارج البلاد.

أما لاوس، فهي دولة داخلية لا يزيد عدد المسلمين فيها عن عدة آلاف، ويتوزعون حول العاصمة فينتايان، ويعملون بالتجارة، ومعظمهم من التشاميين الذين فروا من فيتنام، وللأسف تأثروا بالديانة المسيحية والعقائد الوثنية.

الإسلام في نيبال: 

وصل الإسلام إليها عبر محورين، غربي جاء إليها من كشمير، وجنوبي أتى إليها عن طريق شبه القارة الهندية الباكستانية مع أول غزو إسلامي في القرن الرابع عشر الميلادي. وزادت صلة المسلمين بها في عهد الإمبراطور المغولي الأكبر الذي أرسل البعثات الإسلامية إلى البلاد، وهكذا بدأت الدعوة الإسلامية تأخذ طريقها عبر أراضي نيبال.

وكان لنيبال علاقات تجارية مع العرب، كما استوطن التجار المسلمون مناطق عديدة من نيبال، وهكذا وصل الإسلام إلى أعلى مناطق العالم ارتفاعًا، فلقد صعد الإسلام إلى جبال الهيمالايا وارتقى قممها، وهذا يضحد رأي المتحاملين على الإسلام من المستشرقين الذين وصفوه بدين الصحراء والسهول، ولكن وجود الإسلام في الهيمالايا وفي قلب أدغال أفريقيا يحطم هذه الآراء.

ويعيش المسلمون هناك وسط أغلبية هندوسية وأقلية بوذية، ويكسب الإسلام المزيد من المسلمين الجدد من بين هؤلاء على الرغم من قلة الإمكانيات وفقر الجماعات المسلمة بنيبال.

والديانات المنتشرة في نيبال هي الهندوسية والبوذية والإسلام، ويُمارس المسلمون شعائر دينهم بحرية بالرغم من التحديات الضئيلة من جانب الهندوس.

ويقدر عدد المسلمين في نيبال في الفترة بين سنتين 1372 هـ إلى 1374 هـ بحوالي 208,899 نسمة.

والتعليم في نيبال يقتصر على تحفيظ القرآن الكريم دون ترجمة معانيه، والمستوى الثقافي للمدرسين منخفض، وقلما تجد بينهم الحفاظ والمفسرون، وتنتشر الأمية عند النسوة المسلمات، ولا وجود للتعليم المهني.

وقبل سنة 1359 هـ، لم تكن هناك مدارس إسلامية معترف بها في نيبال، كذلك لم يكن مسموحًا لأبناء المسلمين دخول المدارس الحكومية، ثم سمح لأبناء المسلمين بالمدارس المتوسطة والثانوية، كما سمح ببناء مدارس إسلامية، فانتشرت المدارس في القرى والمدن، غير أنها محدودة بسبب ضعف التمويل، فتقام هذه المدارس بالجهود الذاتية، وتعلم هذه المدارس اللغة الأردية وقواعد الإسلام، ولا تقوى ميزانيتها على شراء الكتب أو دفع رواتب المدرسين.

وانتشرت بعض المدارس والكتاتيب والمعاهد، وتوجد الجامعة السلفية في وسط نيبال، ومدرسة إسلامية في نيبال الوسطى.

ويوجد مسجدان في العاصمة كاتماندو، المسجد الكشميري وينفق عليه من وقف خاص له، وبالمسجد مدرسة إسلامية يتعلم بها أبناء المسلمين قواعد الإسلام، والمسجد الثاني هو المسجد الجامع بكاتماندو، ويصرف عليه من أوقاف خيرية، وملحق به فندق يدر عليه بعض الدخل، كما أن به مدرسة إسلامية.

وتنتشر المساجد بكثرة حيث مناطق التجمعات الإسلامية، وهناك لجنة للحج ترسل سنويًا حوالي 50 حاجًا، كما أن هناك منظمتين إسلاميتين عبارة عن جمعيتين، ولهما جهد في مساعدة الفقراء المسلمين ونشاط إنشاء المدارس الإسلامية.

الإسلام في كوريا: 

وفي حديثنا عن الإسلام في كوريا، فلم يصل الإسلام كوريا إلا في الآونة الأخيرة، يوم انقسمت قسمين وقامت الحرب بينهما، ووصلت قوات دولية لدعم كوريا الجنوبية في عام 1955، وكان من بين هذه القوات فرقة تركية، وكان أمامها الشيخ عبد الرحمن والشيخ زبير قوج، الذي استطاع أن ينشر الإسلام بين أفراد قلائل من السكان هم طلائع المسلمين هناك.

وإلى هنا سنضع نقطة الخاتمة للجزء الأول من المقال عن الأقليات المسلمة في آسيا، ولنا لقاء آخر نستكمل فيه كلامنا عن الإسلام في كوريا وباقي جنوب شرق آسيا.

يُتبــع.

نرمينا راضي.

لقراءة سيناريو الست تفاريح مراجيح من هنا

5 تعليقات

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *