قصة كوميديا: “البنات، والدليفري” للكاتبة/ صبتح البغدادي.
الديليفري والبنات
ماذا تفعل اذا اتقلب السحر على الساحر؟!
رنّ الهاتف على موبايل نهى، فارتجف قلبها بسرعة. مدت يدها بخفة وسحبت الموبايل من تحت الوسادة كأنها تخبئ سرًا خطيرًا. نظرت حولها سريعًا، لتتأكد أن أمها ما زالت جالسة في الصالة تتابع مسلسلها المفضل. ارتعشت أصابعها وهي تضغط على زر الإجابة، وقالت بصوت خافت:
– ألو… أيوه، حضرتك وصلت؟ العنوان مظبوط؟
جاءها صوت سامر، عامل التوصيل، يحمل نبرة مرحة ممزوجة بسخرية لطيفة:
– أيوه يا آنسة، أنا تحت العمارة دلوقتي… بس عندي ملاحظة صغيرة.
ازداد قلقها وهي تسأل:
– خير؟
ضحك بخفة وقال:
– حضرتك مش أول واحدة تقولي “الطلبات دي هدية”… جارتك فوق قالت نفس الكلام. أنا خلاص بقيت حافظ السيناريو ده.
شعرت نهى بالارتباك، وخرجت منها ضحكة صغيرة رغم خوفها. التفتت ناحية الصالة، فسمعت صوت أمها يعلو:
– يا نهى… بتكلمي مين؟
ارتبكت أكثر وردت بسرعة وهي تحاول إخفاء الموقف:
– لا يا ماما، دي واحدة صاحبتي!
كان سامر على الطرف الآخر يحاول كتم ضحكته، ثم قال بنبرة مشاكسة:
– باين عليكي محترفة تغطيات. طيب هاقول لمين بقى إنهم هدية؟ ليكي ولا لجارتك؟
احمر وجهها خجلًا وقالت مرتبكة:
– قول إنهم مسابقة وكسبت الكتب… وأنا هانزل لك الفلوس في الكيس معاك في السٰبت.
أجاب ضاحكًا:
– حاضر يا ست المسابقات. بس لو فضلتوا تكسبوا كده، أنا نفسي هادخل المسابقة.
ضحكت رغمًا عنها وردت بسرعة:
– خلاص بقى كفاية تريقة، استناني دقيقة وأنزل.
أغلقت الخط وقلبها لا يزال يخفق بعنف، مزيج بين القلق والضحك. مسحت العرق عن جبينها بخفة، ثم وقفت أمام الباب تتظاهر بالهدوء وكأنها ذاهبة لتجلب شيئًا عاديًا من الخارج. لكن في داخلها، كان الأمر يشبه مغامرة سرية صغيرة، تخبئها عن أمها وتستمتع بها رغم الخوف.
(هدية المسابقة)
تسمرت نهى لثوانٍ، ثم انفجرت ضاحكة وهي تضع كفها على فمها حتى لا يسمعها أحد. قلبها يخفق بجنون، ووجهها يحمرّ أكثر مع كل كلمة يطلقها سامر من الطرف الآخر. قالت بصوت متقطع من الضحك:
– انت متعوّد بقى!
جاءه ردها ليزيد من مزاحه، فقال بثقة:
– آه طبعًا… تقريبًا بقيت خبير في مسابقات الكتب اللي عمرها ما اتعملت!
انطلقت ضحكة مشتركة بينهما، قصيرة لكنها كانت كفيلة بإشعال دفء غريب في قلب نهى. حاولت أن تُنهي المكالمة بسرعة حين سمعت وقع خطوات والدتها تقترب. وضعت الهاتف بجوارها، تظاهرت بأنها منشغلة بترتيب بعض الأوراق على السرير، لكنها كانت بالكاد تكتم ضحكتها.
دخلت والدتها وهي تحمل سلة الغسيل، عيناها تتحركان بحدة وكأنها تمتلك رادارًا خاصًا لرصد أي خطأ. وقفت أمامها وسألت بنبرة مليئة بالريبة:
– إنتي بتضحكي على إيه؟
ارتبكت نهى، وابتلعت ريقها بصعوبة وهي تجيب:
– آه؟ لا… لا يا ماما، كنت بقرأ حاجة مضحكة على الفيسبوك.
ضيقت الأم عينيها، ثم تنهدت بصوت عميق وهي تضع سلة الغسيل على السرير. قالت بنبرة حاسمة:
– طيب قومي ساعديني بدل ما إنتي قاعدة طول النهار على الموبايل.
قفزت نهى من مكانها سريعًا وقالت بانفعال:
– حاضر حاضر، جاية أهو!
لكن قبل أن تتحرك، دوّى جرس الباب فجأة في أرجاء البيت، فشعرت وكأن قلبها سقط من مكانه. تجمدت في موضعها، وعيناها اتسعتا برعب، بينما التفتت والدتها نحو الباب ثم صوبها، بعينين تلمعان بالشك. سألت الأم بنبرة أشد ريبة:
– هو أنتي طالبة حاجة تاني من الديليفري؟
أطلقت نهى ردًا مرتبكًا، امتد طويلًا أكثر مما يجب:
– لااااا!
حاولت أن ترسم ابتسامة بريئة على وجهها وهي تقول بصوت متصنع:
– يمكن حد غلط في الشقة…
لكن أمها لم تقتنع أبدًا. تركت السلة على السرير، ثم خطت خطوات سريعة نحو الباب، وهي تقول بصرامة:
– هنشوف دلوقتي!
همست نهى لنفسها بصوت يكاد لا يُسمع:
– يا لهوي…
حاولت أن تسبق والدتها أو تمنعها، لكنها لم تستطع. وفي لحظة، كان الباب قد فُتح، لتجد الأم أمامها شابًا يقف بثبات، يبتسم وكأنه معتاد على هذه المواقف. كان سامر ممسكًا بكيس أنيق يحمل شعار محل الكتب. رفع الكيس بخفة، وقال بنبرة مليئة بالمرح:
– هدية المسابقة، يا مدام!
اندهشت الأم، ونظرت من سامر إلى نهى بحدة، بينما نهى حاولت أن تبتسم ابتسامة بلهاء، وكأنها بالفعل صدّقت أكذوبة المسابقة التي اخترعتها منذ قليل. أما سامر، فظل واقفًا، وابتسامته الواثقة تقول إنه يعرف جيدًا أن اللعبة لم تنتهِ بعد.
حاولت نهى أن توقف والدتها، لكنها لم تستطع. فتحت الأم الباب بخطوات حاسمة، لتجد سامر واقفًا هناك، ممسكًا بالكيس المطبوع عليه شعار محل الكتب. كان يبتسم ابتسامة عريضة، وكأنه يعرف مسبقًا أن هذا المشهد ليس الأول ولن يكون الأخير.
مد يده بالكيس وقال بنبرة مرحة:
– هدية المسابقة يا مدام!
رفعت والدة نهى حاجبًا عاليًا، تنقلت بنظراتها بين الكيس وبين وجهه، ثم صوبت عينيها نحو ابنتها. كانت نهى تحاول رسم ابتسامة بريئة لكنها بدت مصطنعة إلى أبعد الحدود. سألت الأم ببرود مليء بالشك:
– مسابقة؟!
أسرعت نهى بالكلام، وهي تحاول السيطرة على ارتباكها:
– آه طبعًا! دي مسابقة صعبة جدًا على الفيسبوك، أسئلة ثقافية عن الأدب العربي، وأنا جاوبت صح… وكسبت الكتب.
ابتسم سامر ابتسامة مسرحية وهو يهز رأسه باستهزاء لطيف، ثم قال ساخرًا:
– أيوه أيوه… المسابقة الأشهر في البلد! تقريبًا نص العمارة كسبوها.
كادت نهى أن تقتله بنظراتها الحادة، لكن والدتها لم تكن بالسذاجة. وضعت يدها على خصرها وقالت بصوت هادئ، لكنه ينذر بالخطر:
– طب تفضلوا جوه… عشان تحكولي عن المسابقة دي بالتفصيل.
تسمرت نهى مكانها، بينما اتسعت عينا سامر رعبًا. حاول التراجع خطوة وهو يقول بضحكة متوترة:
– لأ لأ… أصل عندي توصيلات كتير النهاردة، ما ينفعش أتأخر.
لكن الأم لم تترك له مجالًا للهروب. مدت يدها وسحبتهما معًا إلى الداخل، ثم أغلقت الباب بإحكام. جلست على الأريكة متقاطعة الذراعين، نظراتها ثابتة لا تعرف المزاح، وقالت بصرامة:
– يلا، احكولي… وأحسن لي ألاقي الإجابات مقنعة.
نظر سامر إلى نهى نظرة استغاثة واضحة، بينما هي تظاهرت بالبحث عن كلمات مناسبة. اقتربت منه قليلًا وهمست في أذنه:
– شكلك هتقعد هنا فترة… جهّز نفسك للاستجواب.
تنهد سامر بعمق، وهو يدرك أنه تورط في واحدة من أطرف – وربما أخطر – توصيلاته على الإطلاق.
(نهاية المحكمه المزيفة)
تتوالى أحداث قصة كوميديا “البنات والدليفري”.
وفجأة، فُتح باب الغرفة الجانبية، وخرج كريم، أخو نهى الأصغر، وهو في العاشرة من عمره، يمضغ قطعة بسكويت، وشعره منكوش من النوم. وقف في منتصف الغرفة وقال بنبرة فضولية:
– إيه ده؟ محكمة ولا إيه؟
التقط سامر الخيط بسرعة، وقال مبتسمًا وكأنه وجد طوق نجاة:
– أيوه بالضبط! وأنا المتهم البريء، ساعدني يا بطل!
ضحك كريم باهتمام، وجلس بجوار أمه على الأريكة، ثم ضرب الطاولة بقبضته الصغيرة قائلاً بجدية مصطنعة:
– المحكمة تبدأ الجلسة! المتهمة: نهى. هل فعلًا كسبتِ الكتب دي… ولا كنتي ناوية تشتريها من ورا ماما؟
شهقت نهى بدهشة، ورفعت حاجبها بانفعال وهي تصرخ:
– إيه؟! إنت معايا ولا ضدي يا كريم؟
رد الصغير بجديّة مفتعلة، وهو ينفخ صدره:
– العدالة فوق الجميع!
انفجر سامر بضحكة مكتومة، لكن نهى رمقته بنظرة تهديد جعلته يضع يده على فمه بسرعة. أما الأم، فظلت صامتة، تتابع المسرحية الصغيرة ببرود، وكأنها قاضية تنتظر الكلمة الأخيرة.
قالت بنبرة هادئة لكنها حادة:
– الحقيقة يا كريم… إننا لسه مستنيين تفاصيل أكتر عن المسابقة.
حاولت نهى التفكير بسرعة، ثم اعتدلت في جلستها وقالت بثقة مصطنعة:
– هي كانت مسابقة على الفيسبوك عن نجيب محفوظ. خمس أسئلة صعبة جدًا، وأول واحد يجاوب صح يكسب مجموعة كتب مجانية.
أدار كريم عينيه بتفكير عميق، ثم التفت إلى سامر وسأله بجديّة أكبر مما توقّع:
– وأنت يا مستر ديليفري… إيه دورك في الموضوع ده؟ بتوزع الجوايز من نفسك ولا إيه؟
ارتبك سامر للحظة، ثم تنحنح وقال بثبات مصطنع:
– لأ طبعًا… أنا متطوع مع المبادرة اللي بتنظم المسابقة. يعني… بنساعد الشباب على القراءة والثقافة!
أومأ كريم برأسه وكأنه قاضٍ حكيم، ثم سألهما فجأة:
– طيب، لو المسابقة دي بجد… اسمها إيه؟
تبادلت نهى وسامر نظرات سريعة، ثم نطقا في وقت واحد وبسرعة شديدة:
– اقرأ تربح!
نظر كريم إليهما بتمعن طويل، ثم التفت إلى أمه وقال ببراءة مشوبة بالمكر:
– ماما… إنتي مصدقاهم؟ شكلهم متفقين على التمثيلية دي من زمان.
تنهدت الأم ببطء، ثم وقفت وأشارت بيدها نحو الباب. التفتت إلى سامر وقالت بلهجة هادئة لكن قاطعة:
– شكرًا ليك يا أستاذ سامر… على التوصيل وعلى المسرحية الظريفة دي.
ثم التفتت إلى نهى، ونبرة صوتها اشتدت قليلًا:
– وآخر مرة تطلبي حاجة من غير ما تقوليلي… فاهمة؟
أومأت نهى بسرعة وهي تبتسم ابتسامة متوترة، تحاول أن تُنهي الموقف بأي شكل. أما سامر، فتنهد براحة عميقة، وأسرع نحو الباب قبل أن يجد نفسه في جلسة تحقيق جديدة.
وقبل أن يغلق الباب، اقترب كريم من أخته وهمس بمكر في أذنها:
– المرة الجاية، هاتي لي كتاب معاك… بدل ما أفضحك.
نهاية قصة كوميديا “البنات والدليفري”
ضحكت نهى بعفوية، وضربته بخفة على رأسه، بينما كانت والدتها لا تزال تراقبها بعين خبيرة. أغلقت الباب خلف سامر، وفي داخلها وعدت نفسها أن تكون أكثر حذرًا في المرات القادمة… وإن كانت تدرك جيدًا أن هذه لم تكن النهاية.
#سكريبت
#صبا
#البنات_والدليفري
إذا أعجبتك قصة كوميديا “البنات والدليفري”، يمكنك متابعة المزيد من القصص الكوميدية، والدرامية، والرعب على موقعنا عوالم من الخيال.