قصة ممتعة ومشوقة: 1958

قصة ممتعة ومشوقة “1958” للكاتبة صباح البغدادي.

الفصل الأول الضحكة الغامضه

كانت الغرفة غارقة في الظلام، حتى بدا وكأن الليل ابتلعها بالكامل. لا شيء سوى أصوات أنفاس متلاحقة تتردد في الفراغ، تختلط بخفقات قلوب متسارعة، تبحث عن طمأنينة لن تأتي.

كان الهواء ثقيلاً، كأن الجدران تقترب ببطء لتسحق من بداخلها.

 

وفجأة…

انبعث ضوء ضعيف من شاشة هاتف يكاد ينطفئ. الوهج الباهت انعكس على وجه ريم، ليكشف ملامحها المرتجفة وعينيها الواسعتين. صرخة اخترقت السكون، صرخة خرجت من أعماقها كأنها رأت الموت وجهاً لوجه.

 

قفزت حنين من مكانها، صوتها يرتعش كطفلة ضائعة: – في إيييه؟! بتصرخي ليه؟!

 

يد ريم المرتجفة كانت تقبض على الهاتف، عيناها لا تفارق الشاشة، وصوتها بالكاد خرج: – وشّي… طالع وحش أوي في الكاميرا… ده مش أنا!

 

قبل أن يزداد التوتر، خطفت هدى الهاتف من يدها بحدة، رفعت الشاشة أمامها ثم زفرت ساخرة: – دي الكاميرا الأمامية يا عبقرية. شكلك الطبيعي… مرعب كالعادة!

 

ضحكة ساخرة حاولت أن تخفي الخوف في نبرتها. أما مريم فانحنت قليلًا، وضغطت بيدها على صدرها، تحاول أن تهدّئ من ارتجاف قلبها. همست بصوت منكسر: – لو هنموت هنا… نموت وإحنا كبار… مش أطفال مرعوبين.

 

لكن قبل أن يكتمل همسها، دوى صوت غريب. ضحكة جافة، مبحوحة، كأنها تتسرب من أعماق قبر. ارتجفت الأرض تحت أقدامهن للحظة، وتجمّدت أنفاس الجميع.

 

قالت حنين، عينها تبحث في العتمة: – مين اللي بيضحك؟!

 

أجابت ريم بسرعة، تكاد تبكي: – مش أنا… والله! أنا لما بخاف بعيّط مش بضحك.

 

هدى لم تفوّت الفرصة، فأطلقت تعليقها اللاذع: – بصراحة… لو حد فينا هيموت الأول، أكيد هتبقي إنتي يا ريم. هتقعِي وتتشقلبِي وتوقعينا وراك.

 

صرخت ريم غاضبة رغم خوفها: – يعني حتى في وسط الرعب… لسه عندك طاقة تنمّري عليا؟!

 

قصة ممتعة ومشوقة المشهد التاني القبو

 

لكن الجدال انقطع فجأة. باب القبو بدأ ينفتح ببطء… من تلقاء نفسه. صريره الحاد مزّق هدوء المكان. ومع فتحه، توقفت الضحكة، وبدأت خطوات ثقيلة تُسمع في الظلام. خطوات بطيئة، تقترب… ومع كل خطوة، شيء في قلوبهن يتفتت.

 

ثم ظهرت هيئة مشوهة، ملامحها غائمة كأنها صورة غير مكتملة. ظلّ بشري بلا ملامح واضحة، كابوس مجسّد أمامهن. ارتعشت أجساد الفتيات في أماكنهن، لكن ريم تمتمت بارتباك تحاول أن تخفي ذعرها: – لو جاي تقتلنا… ممكن تدينا دقيقة نستعد؟ مش متعودين نموت فجأة.

 

صوت غليظ ارتج المكان به: – أنتن… عدتن. لكن… هل أنتن مستعدات؟

 

قبضت مريم على يد حنين المرتجفة، وسألت بصوت خافت: – مستعدين لإيه؟!

 

اقترب المخلوق أكثر، وصوته صار بشريًا لكنه أكثر رعبًا: – مستعدات… للغز الأخير.

 

ساد صمت ثقيل. العيون اتسعت، والأنفاس احتبست. هدى حاولت أن تخفي رعبها فرفعت صوتها: – إيه ده؟ برنامج مسابقات ولا فيلم رعب نفسي؟!

 

رفعت مريم رأسها بحذر: – طب… لو حلّينا اللغز؟ إيه اللي هيحصل؟

 

ابتسم الكيان ابتسامة غامضة: – ستخرجن سالمات. وإن فشلتن… ستبقين هنا للأبد.

 

بلعت ريم ريقها بصعوبة، ثم قالت: – يعني يا نحل ونعيش… يا نفشل ونروح في داهية. أو…

 

نظرت إليها حنين بخوف: – أو إيه؟!

 

ضحكت ريم ضحكة زائفة تخفي بها ارتعاش قلبها: – أو نهرب بسرعة.

 

لم ينتظرن أكثر، صرخن جميعًا واندفعن للباب. لكن قبل أن يلمسن الحرية، أُغلق الباب بقوة، فاصطدمت به ريم وسقطت أرضًا. صرخت بألم: – معقول أموت وأنا خبطت في باب؟!

 

سحبتها هدى بسرعة وهي تهز رأسها: – موتتك دي بايخة جدًا… نموت بعد ما نحل اللغز يبقى أشيك على الأقل!

 

ابتسم المخلوق بخبث واقترب: – السؤال الأول… ماذا تركتن خلفكن؟

 

فكرت مريم قليلًا ثم قالت: – تركنا الماضي.

 

لكن حنين لم تتمالك نفسها وأشارت إلى ريم: – تركنا كرامة ريم لما خبطت في الباب!

 

صرخت ريم: – خلاص بقى! هو الرعب ده معمول مخصوص علشان تضحكوا عليا؟!

 

المشهد الاخير ضحكة ريم

 

وفجأة… المخلوق انفجر ضاحكًا. لم تكن ضحكته هذه المرة مرعبة، بل غريبة… كأن شيئًا داخله تبدّل.

 

سألت هدى بقلق: – بيضحك ليه؟ ده المفروض يرعبنا مش يضحك معانا!

 

قال بصوت أهدأ: – لأنكن… مختلفات. الأخريات لم يجرؤن على المزاح.

 

ارتبكت حنين: – لحظة… أخريات؟!

 

اقترب أكثر وهمس: – لستن أول من دخل هنا… ولن تكنّ الأخير.

 

ارتجف المكان، وانطفأ الضوء مرة أخرى. الفتيات التصقن ببعض، والظلام يبتلع أنفاسهن. ثم انبثق نور مفاجئ، ليكشف المخلوق جالسًا على كرسي خشبي، قدماه متشابكتان كأنه يجري مقابلة عمل.

 

قال بهدوء: – لم يكن هذا اختبارًا للرعب… بل اختبارًا للروح.

 

صرخت هدى في وجهه: – يعني إيه؟! كل ده علشان محاضرة فلسفة؟!

 

ابتسم، نظراته هادئة هذه المرة: – العالم مليء بالرعب. لكن لا يُهزم إلا بالبسمة. ولهذا… أنتن تستحقن الخروج.

 

وانفتح الباب. اندفعن راكضات، ضحكات مختلطة بدموعهن. لكن ريم توقفت فجأة، هاتفها في يدها، عيناها تتسعان. همست: – يا بنات… التاريخ اتغيّر.

 

اقتربت حنين ونظرت للشاشة، قبل أن تقرأ بصوت مرتعش: – 1958…

 

تجمّدن في أماكنهن، ثم دوّت صرخة جماعية كسرت سكون الشارع. ومع ابتعاد المشهد، اختفى كل صوت، تاركًا الغموض يتسرب إلى الأفق.

 

وفي صباح اليوم التالي، فتحت مريم عينيها لتجد نفسها في غرفتها بجوار هدى. كل شيء يبدو طبيعيًا… إلا أن ريم لم تكن موجودة. فقط ورقة بخط يدها على المكتب:

“ضحكة واحدة… تنقذ العالم.”

 

رفّت ستارة النافذة، ودخل نسيم خفيف يحمل معه صدى ضحكة بعيدة… ضحكة ريم. لكنها هذه المرة، لم تكن خائفة.

#صبا

#1958

#سكريبت

إلى هنا نكون قد وصلنا إلى نهاية قصة ممتعة ومشوقة “1958”.

للمزيد من القصص القصيرة الممتعة، تابع منصة عوالم من الخيال، التي تقدم قصص، وروايات عربية لأقلام مبدعة.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *