قصة رعب مكتوب: في دائرة الوحش

قصة رعب مكتوب”في دائرة الوحوش” للكاتبة/ صباح البغدادي.

قصة رعب مكتوب المشهد الاول داخل الحجرة

كان الصباح هادئاً على غير العادة، والسماء تميل إلى الرمادية وكأنها تخفي في طياتها شيئاً ثقيلاً. خرجت من بيتي متجهة إلى المستشفى، خطواتي سريعة، وقلبي مشغول بالعمليات التي تنتظرني. أنا ليلى، طبيبة جرّاحة عامة، أعمل منذ سنوات بين أروقة هذه الجدران البيضاء. كنت على ارتباط بزميلي الطبيب حسام، أخصائي الطب الجنائي، رجل هادئ الملامح، حاد الذكاء، لم أرَ منه يوماً ما يثير الريبة… حتى ذلك اليوم.

رن هاتفي فجأة، وكان صوته يأتي من الطرف الآخر منخفضاً لكنه يحمل نبرة لم أسمعها من قبل، يطلب حضوري إلى معمله فوراً. تسللت إلى هناك ووجدت الباب مفتوحاً، الهواء البارد ارتطم بوجهي، ورائحة المواد الكيميائية اختلطت برائحة معدنية ثقيلة تشبه الدم. كان حسام واقفاً أمام طاولة التشريح، جثة ممددة بلا حياة، وعيناه تراقبانها بتركيز غريب، كأن شيئاً خفياً يجذبه إليها.

بدأ يقترب أكثر، أنفاسه تتسارع، وكتفاه ترتجفان، حتى بدت ملامحه وكأنها تقاوم موجة من الألم أو الغضب. فجأة، ابتعد بخطوة واسعة، ثم اندفع نحو الباب وخرج مسرعاً. لم أتمالك نفسي، تبعته بخطوات حذرة، والفضول يتصارع بداخلي مع الخوف.

وفي الممر المعتم، توقف فجأة، انحنى، وصوت أشبه بالأنين الوحشي خرج من صدره. ثم بدأ التحول… أصابعه امتدت حتى صارت طويلة وحادة، أظافره تحولت إلى مخالب قاتلة، وجهه يغطيه شعر أسود كثيف، عيناه احمرّتا كجمرتين مشتعلة، وأنيابه خرجت من بين شفتيه، لامعة تحت ضوء المصابيح الخافتة.

شعرت ببرودة تسري في عروقي، بينما عقلي يصرخ: “اركضي!”، لكن قدميّ كانتا مشدودتين إلى الأرض. جزء مني أراد الهرب والنجاة، وجزء آخر أراد أن يقترب منه، أن يسأله: ما أنت؟ ومنذ متى تخفي هذا الوجه عني؟

رفع رأسه فجأة، وكأنه شعر بوجودي، حدّق في الظلام الذي أقف عنده، وابتسامة غامضة ارتسمت على شفتيه الوحشيتين. خطوة واحدة فصلت بيننا… ثم همس بصوت خافت، غليظ، يحمل شيئاً من حسام الذي عرفته:

ــ كنت أعلم أنك ستكتشفين الحقيقة يوماً.

 

المشهد التاني اكتشاف الحقيقة

 

تتوالى أحداث قصة رعب مكتوب “في دائرة الوحش”.

قبل أن أستوعب ما قاله، انطفأت الأضواء، وغرق الممر في ظلام دامس…

سقط الصمت على الممر بعد انطفاء الأضواء، ولم يبقَ سوى دقات قلبي التي تدوي في أذني، وأنفاسي المتقطعة التي تشق السكون. حاولت أن أمد يدي أتحسس الجدار، لكن أصابعي اصطدمت ببرودة معدنية… كانت تلك يده.

لم أره، لكن ملمس أصابعه الطويلة، الخشنة، كان كفيلاً بأن يشلّ حركتي. همس في الظلام:

ــ لا تخافي… أو على الأقل حاولي.

شعرت بأنفاسه الحارة تلامس وجهي، ثم صوت خطواته يبتعد قليلاً. فجأة، ضوء أحمر باهت تسلل من نهاية الممر، كاشفاً ملامحه نصف الوحشية، ونصفه الآخر ما زال يحتفظ بشيء من حسام الذي عرفته. كان يتأرجح بين عالمين… إنسان ووحش، وكأن الصراع يلتهمه من الداخل.

ترددت، هل أقترب منه لأعرف الحقيقة؟ أم أستغل المسافة وأركض؟ لكن شيء ما في صوته، في نظرته، جعلني عاجزة عن اتخاذ القرار.

قال بنبرة غامضة:

ــ ليلى… هناك أشياء لا يمكن لعقلك أن يتحملها، لكنك دخلت دائرتي الآن، ولا رجوع.

قبل أن أنطق، دوى صوت معدني حاد من بعيد، وكأن باباً ثقيلاً أُغلق بقوة. التفتُّ، لكن حين عدت بنظري إلى حيث كان… اختفى.

بقيت واقفة وحدي، يلفني الظلام، وصدى صوتفي الأيام التالية للحادثة، لم أستطع أن أنام بسلام. ملامح حسام وهو يتغير ما زالت تلاحقني، وصدى صوته الغليظ ينهش عقلي. كنت أعود إلى المعمل خلسة، أبحث بين الملفات والتقارير عن أي خيط يقودني إلى تفسير ما حدث.

 

فصة رعب مكتوب المشهد الثالث الدم الملعون


حتى وجدت ملف الجثة الأخيرة… امرأة مجهولة الهوية، لم يُسجَّل عنها شيء سوى أنها عُثر عليها قرب إحدى الغابات المهجورة على أطراف المدينة. لم يكن في جسدها أي جرح واضح، لكن دمها كان ملوثاً بمادة غريبة غير مُعرّفة في أي سجل طبي. مادة تتشابه في تركيبها مع خلايا الإنسان لكنها تحمل صفات حيوانية شرسة، أشبه بفيروس قديم نائم استيقظ من أعماق التاريخ.

قرأت التقرير بخوف، ثم توقفت عند توقيع الطبيب المسؤول عن تشريحها… حسام. هو من اكتشف المادة أولاً، لكن يبدو أنه لم يكتب كل شيء في الملف. بين الأوراق وجدت ورقة صغيرة بخط يده:

“العدوى تنتقل بالدم. أنا أحملها الآن.”

شهقتُ حين قرأت الجملة. إذن، تلك المرأة المجهولة لم تكن جثة عادية، بل كانت مصدر اللعنة. حسام أصيب أثناء التشريح، وربما بقطرة دم واحدة تسللت إلى جسده.

لكن السؤال الذي أرهقني أكثر: هل هو وحده المصاب؟ أم أن هناك آخرين يتجولون بيننا… يحملون نفس الوحش بداخلهم، ينتظرون لحظة

لم أستطع احتمال الانتظار أكثر. قررت أن أواجهه، حتى لو كان الثمن حياتي. في مساء باهت، توجهت إلى معمله. كان الباب نصف مغلق، والظلام يملأ المكان إلا من ضوء خافت يتسلل من مصباح صغير فوق الطاولة. هناك كان يجلس… ظهره محني، يديه تخفيان وجهه، وكأنه ينهش في داخله شيء أقوى من جسده.

قلت بصوت مرتجف:

ــ حسام… عرفت كل حاجة.

رفع رأسه ببطء، عيناه حمراوان كأنهما ملتهبتان، ووجهه نصفه بشري ونصفه الآخر يميل إلى الوحش الذي رأيته من قبل. قال بصوت متقطع:

ــ ليلى… ما كانش لازم تعرفي.

اقتربت منه خطوة، رغم رعشة جسدي، وواجهته بعينيّ مباشرة:

ــ إنت اتعديت من الجثة… صح؟ إيه اللي بيحصلك؟

أطرق برأسه، ثم قال بصوت غليظ كأنه صدى بعيد:

ــ دمها… كان لعنة. مش فيروس، مش مرض. حاجة أقدم من العلم… شيء بين الإنسان والوحش. وأنا دلوقتي… نصين.

مد يده نحوي، كفّه الكبير المرتجف فيه مزيج من المخالب واللحم البشري، كأنه يستغيث بي.

ــ ساعديني يا ليلى… قبل ما أضيع للأبد.

قلبي انقسم بين شفقة وخوف. كنت أراه ينهار أمامي، رجل أحببته، وزميل عرفته لسنوات، لكن في عينيه كان بريق وحشي يُهددني في أي لحظة.

ترددت لحظة، ثم أمسكت بالمشرط الصغير الذي وضعته في جيب معطفي قبل أن آتي. رفع نظراته نحوي، أدرك ما أنوي فعله، فابتسم ابتسامة حزينة وقال:

ــ اختاري… يا حياة… يا موت.

دموعي سالت بصمت، ويدي ترتجف وهي ترفع المشرط. اقتربت أكثر، حتى صار وجهي أمام وجهه، أستطيع أن ألمس ملامحه البشرية التي ما زالت تقاوم الوحش.

في اللحظة الحاسمة… تلاقت عيوننا.

هل أُنزِل المشرط في قلبه وأُنهي اللعنة؟

أم أتركه وأغامر بالبقاء إلى جانبه، مهما تحوّل؟

لم أعرف. لكن ما عرفتُه أن حياتي لم تعد حياتي… منذ تلك اللحظة.

الانفجار؟

ه يهمس في أذني: “ولا رجوع…”

للمزيد من القصص، والروايات متنوعة، تابعونا على منصة عوالم من الخيال.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *