قصه غموض: حطام العروس

قصه غموض “حطام العروس” للكاتبة/ محمد رضا.

قصه غموض “جطام العروس”

دعوة غامضة.

كانت شمس ربيعية مترددة تطلّ من وراء غيم خفيف حين وصلت الرسالة الأولى إلى بيت القبطان إلياس مرماديوس. مظروف أبيض، ختمه أحمر داكن لم يَرَه منذ سنوات طويلة، موضوع بعناية أسفل الباب. رفعه بيده الثقيلة، قلّب الورقة ببطء، وقرأ الدعوة المكتوبة بخط أنيق:

 

-“تتشرف إدارة الباخرة عروس البحر المتوسط بدعوتكم لقضاء شهر كامل على متنها، رحلة من الإسكندرية إلى قبرص والعودة، ابتداءً من أول مايو 1969. الإقامة كاملة على نفقة الباخرة. برجاء الحضور في الميناء الساعة الثامنة مساءً.”

 

 

 

ظلّ واقفًا للحظة طويلة، كأن الكلمات لا تريد أن تستقر في ذهنه. أعاد القراءة ثلاث مرات، ثم دسّ الورقة في جيب معطفه وخرج إلى شرفته المطلة على الميناء. البواخر الراسية بدت له ساكنة، لكن في صدره شيء تحرّك، شيء قديم لم يعرف كيف يسمّيه.

 

 

 

في شقة أخرى بالقاهرة، كانت الدكتورة ليان رشدي تجلس خلف مكتب خشبي داكن، تنهي تقريرًا نفسياً لمريض ثري، حين طرق ساعي البريد الباب. وضعت نظارتها على الطاولة وفتحت. المظروف نفسه، الختم الأحمر ذاته. قرأت الدعوة بعين متوجسة، ترددت لحظة ثم ابتسمت ابتسامة صغيرة لا يعرفها إلا مَن اعتاد إخفاء قلقه. وضعت الدعوة داخل درج مكتبها وأقفلت عليها بالمفتاح.

 

 

 

في حيّ شعبي قديم، جلس رامي الكيلاني، عوده على ركبته، يغنّي مقطعًا قصيرًا لجمهور ضئيل من أصدقائه. دخلت أمه فجأة تحمل مظروفًا. ناولته إياه وهي تقول بلهجة مصرية مشوبة بالدهشة:

– “يا واد يا رامي، جالك جواب كده غريب… مكتوب اسمك بالذهب!”

 

فتح رامي المظروف وهو يضحك، ثم قرأ الدعوة بصوت مرتفع. أصدقاؤه صفقوا ساخرين، لكن في عينيه لمعان لم يخفَ. كان يرى في الرحلة فرصة للهروب من ضيق الحيّ وضجيجه، وربما بداية طريقه نحو الشهرة.

 

 

وفي بيت آخر، جلست سلمى حنّا على حافة سريرها، تراقب ابنها يوسف وهو يحرك قطع الشطرنج وحده. طرقة خفيفة على الباب، ثم مظروف أبيض يحمل نفس الختم. قرأته بصوت مرتجف، ثم خبأته أسفل وسادتها، كأنها تخشى أن يلمحه الصغير. التفت إليها يوسف بعينين لامعتين وسأل ببراءة:

– “إيه يا ماما؟”

ابتسمت ابتسامة مضطربة وردّت:

– “ولا حاجة يا حبيبي… بس دعوة كده.”

 

نهاية الجزء الأول

تتابعت المظاريف في بيوت متفرقة: إلى الكاتب جبران صايغ في مكتبه المزدحم بالكتب والأوراق؛ إلى هيلين عواد عالمة الآثار التي كانت تراجع خرائط قديمة؛ إلى الضابط المتقاعد منير الدوالي وهو يتفقد ساعته الفضية؛ وأخيرًا إلى العروسين مريم نجم الدين وعادل رفاعي، حيث سلّمهما ساعي البريد مظروفين متشابهين يوم كتب كتابهما.

 

في كل بيت، حملت الدعوة نفس الكلمات، نفس الوعد برحلة شهر كامل على متن باخرة فخمة، في زمن كانت فيه مثل هذه الدعوات أشبه بالمعجزات.

 

 

 

لكن أحدًا منهم لم يعرف، لحظة تسلّم المظروف، أن هذه الرحلة لن تعود بهم كما غادروا.

 

انتظروا الجزء الثاني من قصه غموض “حطام العروس” على موقعنا عوالم من الخيال.

تعليق واحد

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *