قصة قصيرة خيالية “حطام العروس” الجزء الثاني

قصة قصيرة خيالية “حطام العروس” الجزء الثاني للكاتب/ محمد رضا.

قصة قصيرة خيالية “حطام العروس”

مرّت أيام قليلة بعد وصول الدعوات، وبدأ كل واحد من المدعوين يستعد للرحلة على طريقته.

 

في بيت القبطان إلياس مرماديوس، جلس يلمع زجاج نظارته البحرية ببطء. خزانته امتلأت بقمصان قطنية قديمة، قبعة بيضاء، وبوصلة صغيرة عتيقة يحتفظ بها منذ شبابه.

وهو يحزم أمتعته، نظر طويلًا إلى المرآة. الخطوط على وجهه غائرة، بشرته محروقة من شمس البحر، لكن عينيه الرماديتين ما زالتا تحملان بريقًا متوترًا.

قال بصوت خافت:

– “رحلة كمان… يا ترى هترجعنى لإيه؟”.

ليان رشدي

أما ليان رشدي، فكانت أكثر عملية.

رتبت حقيبة جلدية أنيقة: كتب في علم النفس، دفتر أسود صغير، وعدد من الأقلام. وقفت أمام مرآتها، عدّلت نظارتها الدائرية، ثم قالت لنفسها بصرامة:

– “رحلة استجمام… أهو تغيير جو. مش أكتر.”

 

لكن ارتجافة يدها وهي تقفل الحقيبة فضحت ما تحاول أن تخفيه.

 

رامي الشعبي

في حيّ رامي الشعبي، انشغل الأصدقاء حوله، يعرضون عليه نصائح لا تنتهي:

– “يا عم دي فرصة! غني للخواجات هناك.”

– “خد بالك من نفسك، البحر غدار.”

– “لو قابلت مطرب كبير… قولّه يعرفك.”

 

ضحك رامي وهو يربط حقيبته الصغيرة:

– “هسافر أغير جو… وارجع لكم نجم.”

 

ترك خلفه ضحكات مشوبة بالغيرة، وصوت أمه التي أوصته عشر مرات ألا ينسى أن يتصل بها فور وصوله.

 

 

في شقة سلمى، الجو مختلف. جلست تضع ملابسها في الحقيبة وهي تراقب يوسف بعين قلقة.

الصغير لم يسأل كثيرًا، لكنه ظلّ يتابعها بنظراته الثابتة. حين اقترب منها وسأل:

– “إحنا رايحين فين يا ماما؟”

ترددت لحظة ثم أجابت:

– “رحلة صغيرة… هنركب مركب كبير ونشوف البحر.”

ابتسم يوسف ابتسامة خفيفة، ثم عاد إلى لعبة وكأنه لم يسمع شيء.

 

جبران صايغ

تتوالى أحداث قصة حطام العروس “قصة قصيرة خيالية”.

جبران صايغ، الكاتب، ملأ حقيبته بالدفاتر والكتب. قلب مظروف الدعوة أكثر من مرة، تمعّن في الختم الأحمر، ثم دسّه في جيب سترته. قال لنفسه بصوت مسموع:

– “كل دعوة وراها حكاية… ونفسي أعرف الحكاية دي إيه.”

 

هيلين عواد

هيلين عواد اختارت أثوابًا بسيطة وأنيقة، وضعت حقيبة صغيرة من الجلد البني.

قبل أن تقفل باب مكتبها، ألقت نظرة سريعة على خريطة فلسطين القديمة المعلقة على الجدار، ثم تمتمت بالفرنسية:

– “كل الطرق تؤدي إلى البحر…”

 

منير الدوالي

منير الدوالي، الضابط المتقاعد، كان أكثرهم ثقة. أمر خادمه أن يجهز الحقيبة.

جلس على كرسيه الخشبي، وضع عكازه بجانبه، وأشعل سيجارًا غليظًا. قال وهو ينفث الدخان:

– “البحر… مافيش سر بيفضل فيه مدفون.”

 

العروس مريم

أما العروس مريم فكانت مشغولة بفستانها الأبيض الجديد، بينما عادل زوجها بدا سعيدًا بالدعوة التي جاءت كهدية زفاف. قال لها وهو يربط ربطة عنقه:

– “بصراحة… دي أحلى مفاجأة. هنقضي شهر كامل على مركب زي الحلم.”

ضحكت مريم بخفوت، لم تجب، واكتفت بتأمل المظروف الأبيض على الطاولة.

 

قصة قصيرة خيالية المشهد الثاني

وفي مساء اليوم الموعود، كان الميناء في الإسكندرية يغلي بالحركة.

أضواء صفراء تتراقص فوق الماء، وأصوات الصيادين تختلط بنداءات العمال.

هناك، وقف كل واحد من المدعوين يحمل حقيبته، يتأمل الباخرة الراسية: عروس البحر المتوسط، ضخمة، بيضاء، تتلألأ أنوارها في الليل كقصر عائم.

 

كل واحد فيهم شعر بشيء مختلف وهو يخطو نحو السفينة. للبعض كان وعدًا بالراحة، ولآخرين كان بابًا قديمًا يُفتح على ماضٍ لم يُرد أحد أن يواجهه.

 

 

اقتربت الساعة من الثامنة مساءً حين بدأ الركاب يتوافدون واحدًا تلو الآخر إلى رصيف الميناء.

الهواء كان مشبعًا برائحة الملح والزيت، وصفير البواخر يقطع السكون على فترات.

 

وقف القبطان إلياس مرماديوس أول الحاضرين، حقيبته إلى جواره، عيونه الرمادية مثبتة على السفينة الضخمة.

لم يكن غريبًا عليه منظرها؛ فقد قادها يومًا ما في زمن بعيد. لكن شيئًا في قلبه كان يخفق أسرع كلما لمح أضواءها تنعكس على الماء.

 

إلى جانبه بقليل، وصلت ليان رشدي.

ارتدت معطفًا رماديًا طويلاً، أمسكت بحقيبتها الجلدية بإحكام. ألقت نظرة خاطفة على إلياس ثم أشاحت وجهها، كأنها تعرفه ولا تريد أن تعترف.

 

بعد دقائق، ظهر رامي الكيلاني.

شبابه وحماسه جعلاه يتقدّم بخطوات واثقة، والعود على كتفه. ألقى التحية بصوت عالٍ:

– “مسّاكم بالخير يا جماعة.”

 

ردّت ليان بهزة رأس مقتضبة، بينما التفت إلياس إليه بنظرة سريعة لم تخلُ من الضيق.

 

 

جاءت سلمى تمسك بيد ابنها يوسف.

الحقيبة الصغيرة على كتفها، والقلق على وجهها لا يخفى. وقف يوسف بجانبها في هدوء، عيناه تتفحصان المكان من حوله، من الميناء حتى الباخرة، كأنه يسجل كل تفصيلة في ذاكرته.

 

رمقه رامي مبتسمًا وقال:

– “إيه يا بطل، أول مرة تركب مركب كبير؟”.

لم يجب يوسف، فقط اكتفى بابتسامة قصيرة ثم عاد إلى صمته.

 

 

وصل بعدها الكاتب جبران صايغ.

معطف طويل، دفتر صغير في يده، ونظرة متوجسة. أخذ مكانه قليلًا بعيدًا عن الآخرين، وأخرج قلمه ليسجّل بعض الملاحظات في سطور متقطعة.

 

أما هيلين عواد فقد جاءت برشاقة ووقار.

ارتدت ثوبًا داكنًا، وشعرها الأبيض يلمع تحت أضواء الميناء. حيّت الجميع بإنجليزية مقتضبة، ثم وقفت قريبة من السلم المعدني المؤدي إلى ظهر السفينة.

 

 

منير الدوالي دخل المشهد متكئًا على عكازه، صوته جهوري يسبق خطواته:

– “واضح إننا كلنا مدعوين… طب مين اللي عزمنا بالظبط؟”

 

تبادل الحاضرون نظرات صامتة. لم يكن لدى أحد جواب واضح.

 

 

وأخيرًا ظهرت مريم نجم الدين بجانب زوجها عادل.

ملامحها هادئة، ابتسامتها خافتة، وفستانها البسيط أعطاها مظهرًا من البراءة. أما عادل فكان متحمسًا، يلوّح بيده للآخرين قائلاً:

– “أهو احنا العرسان الجداد… شكل الرحلة دي هتبقى أحلى هدية لينا.”

 

ابتسم البعض مجاملة، بينما ظلّ آخرون على صمتهم.

المشهد الثالث

المشهد الثالث من قصة قصيرة خيالية “حطام العروس” داخل الميناء.

ارتجّ الميناء بصوت صفارة طويلة.

 

نزل بحّار قصير القامة، أشار بيده أن الركاب يمكنهم الصعود. بدأوا واحدًا تلو الآخر يتسلقون السلم المعدني.

 

أصوات خطواتهم على الدرجات تمازجت مع صرير الحديد ورائحة الطلاء البحري.

 

حين وطئت أقدامهم سطح السفينة، انفتحت أمامهم أروقة مضاءة بمصابيح صفراء، جدرانها مطلية بطلاء لامع، وسجاد أزرق يمتد على طول الممر.

المراسي صارت بعيدة، والمدينة خلفهم بدأت تبدو مجرد أضواء متناثرة.

 

وقفوا جميعًا للحظة، يتأملون المكان الجديد الذي سيجمعهم لشهر كامل، غير مدركين أن تلك الأرض المعدنية تحت أقدامهم ستشهد ما لا يُنسى.

 

انتظروا الجزء الثاني من قصة قصيرة خيالية “حطام العروس” على منصتنا عوالم من الخيال.

 

تعليق واحد

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *