ضحية حب مسموم
قتلني الحب قصة قصيرة رعب نفسي
بقلم: صباح البغدادي
قتلني الحب
المشهد الأول: حين يولد الحب من الظلام
الخذلان أقسى من الطعنات، وأوجع من سكين يغرس في الظهر. كنت أقف أمام الشركة التي أهدرت فيها سنوات من عمري، والباب يُغلق خلفي كأنه يطوي فصلًا كاملًا من حياتي.
صوت المدير ظل يتردّد في أذني ببرود قاتل:
> “إحنا مش محتاجينك تاني… شوفلك طريق تاني.”
خرجتُ كالتائه، مكسورًا بين خيانة صديقي الذي سرق أفكاري وبين الطرد المهين. كانت الشوارع صامتة إلا من صدى خطواتي الثقيلة. وبينما أنفاسي تتثاقل، ظهرت هي من قلب الليل، وجه يقطع العتمة بجمال غامض، كأنها ملاك وشيطان في ملامح واحدة.
المشهد الثاني: طريق الخوف
كان الشارع موحشًا، أشجار يابسة وجدران تتآكل، والبرد ينهش عظامي. فجأة رأيتها قادمة نحوي بخطوات مرتعشة، عيناها تلمعان بخوف مبهم.
رشا بصوتٍ مبحوح:
– “لو سمحت… ممكن تساعدني؟ أنا تايهة ومش لاقية حد.”
تجمّدتُ للحظة، أنظر إليها بدهشة. جمالها يربكني، لكن الخوف في عينيها جعل قلبي يشتعل بالشفقة.
علاء متردّد:
– “إنتي مين؟ وطلّعتيلي منين؟ الشارع ده محدش بيمشي فيه.”
خفضت رأسها قليلًا ثم قالت بصوتٍ حزين:
– “أنا رشا… كنت مع زمايلي… بس سابوني هنا.”
رفرفت كلماتها داخلي كالطعنة. نظرت حولي، الشارع مقطوع، لا يُحتمل أن أحدًا يترك فتاة هنا.
علاء بدهشة:
– “يسابوكي في خراب زي ده؟! إزاي؟”
ابتسمت ابتسامة باهتة، وفي صوتها ارتعاش قاتل:
– “يمكن… كانوا عايزين يتخلّصوا مني.”
لحظتها شعرت أنني دخلت لعبة مظلمة، بين خيانة الماضي وفتاة غامضة ظهرت لتعيد تشكيل قدري.
المشهد الثالث: اعتراف بالحب
مرّت الأيام، وصرت ألقاها سرًّا في نفس الشارع الموحش. ومع كل لقاء، كنت أذوب أكثر في سحرها، يغريني غموضها بقدر ما يخيفني. عيناها كانتا مأوى لروحي المنهكة، مزيج بين البراءة والخطيئة.
في إحدى الليالي، لم أتمالك نفسي. اقتربت منها والاضطراب يعصف بصدري.
علاء بصوت متقطع:
– “رشا… أنا مش قادر أعيش من غيرك. فيكي حاجة… مختلفة. مهما كانت حقيقتك… أنا حبيتك.”
ابتسمت ابتسامة كسرتني قبل أن تُعيدني للحياة. ابتسامة نصفها حب، ونصفها موت.
رشا بخفوت عميق:
– “الحب يا علاء… مش دايمًا بيبقى أمان. أوقات بيبقى… فخ.”
المشهد الرابع: أسرار المرايا
في ليلة غامرة بالبرد، دعتني إلى بيتها لأول مرة. كان المكان غارقًا برائحة بخور خانقة، والجدران تغطيها مرايا متعددة، كل مرآة تعكس صورتي مشوّهة، كأنها تكشف ما يختبئ في أعماقي.
تقدمت نحو مرآة ضخمة. نظرتُ فيها… فتجمّدت. لم أرَ “رشا” التي أعرفها، بل كائنًا آخر. بشرتها تتشقّق مثل جلد أفعى، عيناها تصيران صفراوين كشرر النار، ولسانها ينقسم كصفير زاحف.
ارتجفتُ، وتراجعت صارخًا:
– “إيه ده؟! إيه اللي أنا شايفه؟!”
ضحكت، ضحكة تشبه صفير الموت:
– “أخيرًا شوفت الحقيقة يا علاء… أنا مش مجرد رشا. أنا الأفعى… اللي دخلت قلبك وخليتك أسير حبها.”
المشهد الخامس: قتلني الحب
اقتربت ببطء، خطواتها تحوّلت إلى زحف، ذيلها الزاحف يترك أثرًا على الأرض.
رشا بصوت بارد كالثلج:
– “كنت فاكر نفسك بتحب ملاك؟ لا يا علاء… إنت كنت بتحب سُمّك. والمرايا عمرها ما بتكدب.”
علاء بصوت محشرج، يتهاوى كمن يفقد أنفاسه:
– “بس… أنا حبيتك! حتى لو إنتي مش إنسانة… حتى لو أفعى!”
توقفت أمامي، نظرتها تلمع كالخنجر:
– “الحب يا علاء… أتعس فخ في الدنيا. وإنت وقعت فيه زي طفل غلبان.”
في لحظة، شعرت بالسمّ يزحف في عروقي. سقطتُ بين يديها، عيناي تتلاشى فيها صورة حب لم يكن سوى لعنة.
المشهد السادس حين يخدعك الحب
لم أعرف هل كنت ضحية خيانة صديقي… أم ضحية قلبي الذي صدّق الوهم. لكن ما أيقنته أن الحب المسموم يقتل ببطء أشد من أي سكين.
وحبيبتي لم تكن إلا… أفعى.
صحوة من بين المرايا
حين سقطتُ أمامها، ظننت أنني متُّ بالفعل. السمّ كان يجري في عروقي كالبركان، وقلبي يتباطأ ضرباته حتى كاد أن يتوقف. لكن فجأة… وجدتني داخل مرآة من مرايا بيتها.
كنت أنظر إلى جسدي المسجّى على الأرض، بينما روحي محبوسة في انعكاسٍ زجاجي. الصوت من حولي مكتوم، كأنني غارق تحت الماء. ورأيتها… رشا، أو الأفعى، تبتسم في وجه جسدي الميت وتهمس:
– “دلوقتي بقى واحد من أسرار المرايا… مش هيرجع تاني.”
لكن المرايا لم تكن رحمًا للموت، بل بابًا آخر. وجدت أصواتًا كثيرة تهمس حولي، أرواحًا علقت مثلي، كلّها كانت ضحايا “حبها المسموم”.
المشهد االسابع: صوت في الظلام
كنتُ أحاول الصراخ، لكن الصوت لا يخرج. وفجأة، همس لي صوت مختلف، عميق وقادم من عمق الزجاج:
– “علاء… لسه قدامك فرصة. الأفعى ما بتموتش بالحب… لكن ممكن تنكسر بالمواجهة.”
ارتجفت. سألت الصوت بلا وعي:
– “مين إنت؟!”
– “أنا واحد من اللي وقعت قبلَك… لكن فضلت هنا لحد ما عرفت سرها. لو عايز ترجع للحياة… لازم تضحّي بحاجة أغلى من روحك.”
كنت أرتجف من الرعب، لكن داخلي اشتعل بالغضب. خيانة صديقي، ظلم المدير، ثم خيانة رشا… لم يعد عندي ما أخسره.
المشهد الثامن العودة
مددت يدي نحو سطح المرآة كمن يغرق في بحرٍ لا نهاية له. فجأة، شعرت بحرارة غريبة، والانعكاس بدأ يتشقق كالزجاج. انفجار ضوئي اخترق الظلام، وإذا بي أعود إلى جسدي الملقى على الأرض.
فتحتُ عينيّ بصعوبة. كنت أتنفس بصوت متقطع، والسمّ ما زال يجري بداخلي. رشا – أو الأفعى – صرخت بدهشة:
– “إزاي؟! إزاي رجعت؟!”
رفعت رأسي نحوها، وابتسمت رغم الألم:
– “يمكن الحب يقتل… لكن الغدر بيخلق وحش أقوى.”
المشهد التاسع المواجهة
تحولت ملامحها أكثر فأكثر إلى هيئة أفعى كاملة، أنيابها تقطر سُمًّا، وصوتها صار صفيرًا يزلزل المكان.
زحفت نحوي تريد إنهاء ما بدأته.
لكنني التقطت إحدى قطع الزجاج المتكسّر من المرآة، وعيناي تغليان بالغضب.
رشا تصرخ:
– “إنت مش هتعرف تقتلني! أنا جزء من خوفك نفسه!”
علاء بصوت غليظ، بين الألم والإصرار:
– “الخوف اللي بيكسرني… هو نفسه اللي هيحررني.”
وبحركة يائسة، غرست قطعة الزجاج في صدرها. صرخت صرخة هزّت المرايا، وكل مرآة بدأت تتحطم لتطلق أرواحًا كانت محتجزة بداخلها.
المشهد العاشر الولادة الجديدة
حين سقطت الأفعى أرضًا، تبخّر جسدها كدخان أسود، والمكان غرق في صمت ثقيل. المرايا جميعها تحطمت، والأرواح انطلقت صارخة قبل أن تختفي في الأفق.
كنت أنا الناجي الوحيد… أو هكذا ظننت.
خرجتُ إلى الشارع المظلم، أتوكأ على أنفاسي المرهقة. الهواء صار أثقل، والليل صار أعمق. لكن في داخلي إحساس واحد فقط:
أنا لم أعد علاء القديم. لقد متُّ وعُدت… ومعي شيء جديد لا أعرف إن كان نعمة أم لعنة.
- المشهد الأخير: ظلّ الأفعى
بينما كنت أبتعد عن البيت، سمعت صوتها يهمس خلفي، خافتًا لكنه واضح:
– “علاء… الحب لسه ما خلصش.”
التفتُّ فجأة، فلم أجد أحدًا لكن على صدري، عند مكان الجرح، ظهر وشم غامض على شكل افعى ملتفة
تُحفة
حبيبي
جميل جدا الله ينور
تسلم يا رب