لعنة كوتشينه
قصة رعب نفسي
بقلم : صباح البغدادي
الورق الملعون
العنة كوتشينه 
المشهد الأول: ليلة على ضفاف النيل
كانت القاهرة في تلك الليلة تغفو على ضوء المصابيح الصفراء، والنيل يلمع كمرآةٍ تخفي تحتها أسرارًا لا يعلمها أحد.
في شقّة قديمة تطلّ على النهر، اجتمع أربعة أصدقاء: مريم، ملك، خليل، حسن.
كانت الشرفة تضجّ بأصواتهم التي تتناوب بين المزاح والقلق، فيما وُضعت على الطاولة علبة صغيرة مغلّفة بقطعة قماش سوداء.
قالت مريم وهي تنظر إليها بتردّد:
> ــ “أنا مش مرتاحة للعلبة دي، شكلها يخوّف يا جماعة.”
ابتسم خليل بثقة:
> ــ “يا بنتي دي مجرد كوتشينة، هنلعب شوية ونمشي. انتي واخدة الأمور على محمل جد قوي.”
لكن ملك قالت بنبرة جادة:
> ــ “العلبة دي مش عادية، أنا جبتها من راجل في خان الخليلي، قال إنها مش لعبة… دي لعنة.”
ضحك حسن ضحكة قصيرة وقال:
> ــ “لعنة إيه يا ملك؟ الراجل عايز يبيع وخلاص. متخافوش من شوية ورق!”
رفعت ملك الغطاء ببطء، لتظهر كوتيشينه غريبة:
الأوراق سوداء الحواف، رموزها غريبة، والألوان فيها كأنها نزفت من لوحاتٍ قديمة.
المشهد الثاني: الورقة الأولى
مدّت ملك يدها وسحبت أول ورقة.
كانت عليها صورة فتاةٍ معصوبة العينين بضمادة حمراء ودمعة سوداء تسيل على خدّها.
قالت مريم بخوف:
> ــ “الورقة دي شكلها مش طبيعي… مش مطبوعة زي الباقي!”
اقترب خليل وقال بثقة:
> ــ “هاتيهالي أشوف.”
لكن ملك أمسكت بها سريعًا:
> ــ “الراجل قال محدش يلمسها غير اللي سحبها، وإلا يشوف كوابيس.”
ضحك حسن وهو يحاول التخفيف من التوتر:
> ــ “ماشي، خليهالك انتي. بس لو حلمتي بحاجة متجيش تقوليلنا بكرة إني السبب.”
صمت الجميع لحظة…
ثم انطفأت الأنوار فجأة.
صرخت مريم:
> ــ “يا نهار أسود! النور راح!”
سُمع صوت أوراق تتطاير، وهمس أنثوي خافت، لا يشبه أيّ صوت بشري.
وحين أضاء خليل هاتفه، كانت الأوراق مبعثرة على الأرض، مرتّبة في دائرةٍ غريبة، والعلبة مفتوحة في المنتصف.
قال ملك بصوتٍ خافت:
> ــ “العلبة فتحت لوحدها…”
اقترب خليل ببطء، وأضاء على الأوراق، فتجمّد الدم في عروقه.
كل ورقة كانت تحمل وجه أحدهم… لكن بملامح مشوّهة ودماء تسيل من العيون.
المشهد الثالث: الورقة الثانية
قالت ملك وهي تحدّق في الأوراق المرتجفة:
> ــ “الورقة دي بتتحرك لوحدها!”
تقدّم خليل، متجاهلًا تحذيراتهم، وأمسكها.
فانطفأ ضوء الهاتف في اللحظة نفسها، وعمّ ظلامٌ كثيف، تخلله صوت أنينٍ بعيد.
أضاء حسن مصباحه بسرعة…
كان خليل واقفًا مكانه، وجهه شاحب، والورقة بيده.
نظرت ملك، فرأت الصورة: وجه خليل نفسه، وخلفه امرأة بشعرٍ أسود طويل تبتسم ابتسامة مشوّهة.
همست مريم بخوفٍ حقيقي:
> ــ “خليل… الورقة فيها وشّك!”
تطايرت الأوراق من جديد في الهواء، وسقطت على الجميع.
ورقة على صدر ملك، وأخرى في يد مريم، وثالثة على كتف حسن.
قال حسن بارتباك:
> ــ “الورق اختارنا!”
رفعت ملك ورقتها، فإذا عليها ساعة رملية تسيل فيها قطرات دم، مكتوب تحتها:
“الوقت بدأ.”
أما ورقة مريم فكانت قلبًا مكسورًا يقطر دمًا، وتحته كلمة واحدة:
“الخيانة.”
وورقة حسن حملت يدًا سوداء تمسك بخيطٍ أحمرٍ طويل، مكتوب أسفله:
“الاختيار.”
تراجعت مريم بخوف وقالت:
> ــ “خيانة إيه؟! أنا ماعملتش حاجة!”
لكن صوتًا أنثويًا قادمًا من العدم أجابها:
> ــ “كلّكم أخطأتم… واللعبة هتبدأ من أول اختيار.”
تجمّدوا جميعًا.
انعكس ظلّ أنثوي على الحائط المقابل… كانت تضحك بخفوت.
صرخت ملك:
> ــ “أنا مش قادرة! لازم نرمي العلبة!”
لكن خليل قال بصوتٍ باردٍ غريب:
> ــ “جربت… رجعت لوحدها على الطاولة.”
نظرت مريم نحوها…
العلبة كانت هناك فعلًا، مغلقة بإحكام، وقد نُقشت عليها الآن جملة جديدة:
“وُزّعت الأوراق… والليل لم ينتهِ بعد.”
المشهد الرابع: صدى الهمس
ساد الصمت… حتى بدأ من جديد ذلك الهمس الغامض، أقرب، أوضح، كأنه في آذانهم مباشرة.
> “كل ورقة… قصة… وكل قصة… ثمن.”
تبادل الأربعة نظراتهم المذعورة.
في تلك اللحظة، انطفأت كل الأضواء مرة أخرى، وبقيت على الطاولة ورقة خامسة لم تكن هناك من قبل…
وجهها مقلوب، لكن على ظهرها مكتوب بخطٍّ أحمرٍ داكن:
“دور مَن التالي؟”
الفصل الثالث: الورقة الثالثة – بداية اللعنة
بدأ الليل يبتلع ما تبقّى من ضوء، والساعة القديمة في الصالة تُعلن الثانية بعد منتصف الليل.
كانت الشقّة ساكنة إلا من أنفاسهم المتقطّعة، وكأن كل واحدٍ منهم يسمع صدى خوفه داخل صدره.
ملك جلست على الأرض، عيناها لا تفارقان الورقة التي تحمل الساعة الرملية.
قالت بصوتٍ خافتٍ متردد:
> ــ “حاسّة إن الورقة دي بتتنفّس… كل شوية الدم اللي فيها بيزيد!”
اقترب منها حسن وقال محاولًا التماسك:
> ــ “ملك، إهدي… يمكن دي لعبة نفسية، يعني كل واحد بيتهيأله حاجة.”
لكن مريم رفعت رأسها فجأة وقالت بارتباك:
> ــ “لأ… أنا سمعت صوت جاي من المطبخ!”
نظر خليل نحو الباب المظلم وقال بثقةٍ مصطنعة:
> ــ “استنوا هنا، أنا هروح أشوف.”
خطواته كانت بطيئة، وكل صوت يصدر منه يرتدّ في الجدران كأن البيت كله يتنفّس معه.
فتح باب المطبخ، أضاء مصباح الهاتف، فرأى شيئًا جعله يتجمّد مكانه.
كانت الورقة الأولى – الورقة التي تحمل الفتاة المعصوبة العينين – ملقاة على الأرض أمام الثلاجة، والدمعة المرسومة عليها لم تعد حبرًا… بل دمًا حقيقيًا يسيل ببطء نحو قدميه.
تراجع خليل خطوةً للخلف وهمس لنفسه:
> ــ “ده مش طبيعي… دي مش لعبة.”
لكن قبل أن يتحرك، سمع صوتًا ناعمًا خلفه، أنثويًّا، هامسًا باسمه:
> ــ “خليل…”
التفت بسرعة، فلم يجد أحدًا.
ثم انعكست على زجاج المطبخ ظلّ امرأة طويلة الشعر تقف خلفه تمامًا، وعيناها معصوبتان بشرائط حمراء.
صرخ بأعلى صوته، فهرع الثلاثة الآخرون نحوه.
حين وصلوا، كان واقفًا في مكانه، يتصبّب عرقًا، وعيناه زائغتان.
قالت مريم بخوفٍ وهي تمسك ذراعه:
> ــ “مالك؟ شوفت إيه؟”
قال بصوتٍ متقطع:
> ــ “هي… كانت ورايا… نفس الست اللي في الورقة!”
صمت الجميع.
حتى ملك التي كانت أكثرهم صلابة، بدأت يداها ترتعشان.
المشهد الثاني: نبض الساعة
نظرت ملك إلى ورقتها مجددًا، فوجدت حبات الدم داخل الساعة الرملية تتحرك بسرعة، كأنها تسيل أسرع من قبل.
تمتمت بخوف:
> ــ “الوقت بيخلص… مش عارفة ليه بس حاسة إن في حاجة هتحصللي أول ما الدم يخلص.”
ردّ حسن وهو يحاول أن يبدو عقلانيًا:
> ــ “ملك، انتي محتاجة تهدي، مفيش حاجة هتحصل.”
لكنها نظرت إليه بعينين دامعتين:
> ــ “هو إحنا فعلاً عايشين اللعبة دي؟ ولا بنحلم؟”
اقترب حسن منها ووضع يده على كتفها مطمئنًا، ثم قال:
> ــ “بُصي، احنا هنكسر العلبة ونرمي الورق في النيل، خلاص.”
لم تكد كلماته تخرج حتى صدر من العلبة المغلقة صوت كأن أحدهم يضحك همسًا.
تراجع الأربعة للخلف في ذعرٍ واحد.
اهتزّت الطاولة فجأة، وخرجت ورقة جديدة منها، ووقفت في الهواء قبل أن تهبط ببطء على الأرض.
كانت تحمل كلمة واحدة بخطٍ أحمر:
“العقاب.”
المشهد الثالث: الورقة الجديدة
اقترب حسن ببطء وهو يقول:
> ــ “هي بتتحرك لوحدها… دي مش كوتشينة، دي مصيبة.”
لكن الورقة تحركت من تلقاء نفسها وسقطت أمام مريم.
حين لمستها، انطفأت الأنوار مرة أخرى، وساد الظلام.
تردّد صوت نسائي غامض في الغرفة:
> ــ “الخيانة تبدأ من القلب… والعقاب من الحلم.”
صرخت مريم وهي تضع يديها على أذنيها:
> ــ “ابعدي عني! أنا معملتش حاجة!”
اشتعل الضوء فجأة… وكانت مريم على الأرض، تتنفس بسرعة، والورقة ملتصقة بيدها.
حين حاولت ملك نزعها، لم تنخلع… كأنها جزء من جلدها.
قال حسن بذهول:
> ــ “الورقة… اتحفرت في إيدها!”
ردّ خليل بصوتٍ خافتٍ وهو ينظر إلى الفراغ:
> ــ “اللعبة اختارتنا خلاص… وكل واحد فينا هيدفع تمن ورقته.”
تبادل الأربعة نظراتهم المذعورة.
العلبة على الطاولة بدأت تهتزّ من تلقاء نفسها، والهواء في الغرفة صار أثقل، كأن شيئًا ينهض من داخلها.
انقلبت ورقة على وجهها لتكشف جملة جديدة بخطٍ داكنٍ يُشبه الدم:
“اللعبة بدأت… والثمن لن يُدفع بالنقود.”
يُتبع…!
تحفة♥
تسلميلي ♡