إسكريبت المكتبة، المشهد الأول:
_هتروح معايا المكتبة؟
_مش عارف أنا مش بحب الأماكن دي
_بس بتحبني وده سبب كفاية إنك تيجي معايا علشانه
_بس أنا المرة دي مش عايز يا جميلة
_ليه؟
_علشان حابب نغيّر، مش كل مرة نروح المكتبة
_بس أنا كنت عايزة كتب جديدة، خلاص براحتك خليك وأنا هروح لواحدي
_مش هينفع
_ليه؟
_مش هينفع تروحي من غيري، مش هعرف أسيبك
_بس إنت لسه قايل إنك مش عايز تيجي معايا
_آه، بس مش قادر أتصورك هناك لوحدك
_ليه؟ أنا كبيرة على فكرة وبعرف أتعامل
_عارف بس مش دي المسألة، المسألة إني بحس إن الأماكن كلها بتكون باردة وفارغة من غيرك
المشهد الثاني:
سكتت جميلة وبصتله بعيونها الواسعة بتحاول تفهم هو بيقول كده جد ولا هزار.
_إنت مش بتحب المكتبة يا أحمد
_دي حقيقة، المكتبة بالنسبالي ريحة ورق بتخنقني، سكون ممل بيضايقني، بس بالنسبالي كمان بقت إنتِ يعني حتى لو أنا مش بحب المكان نفسه، بحب وجودك فيه بحب أشوفك وإنتِ ماسكة كتاب كده وبتحاولي تفهمي بيتكلم عن إيه، وإيديكِ تقلب الصفحات كأنكِ بتكتشفي عالم جديد جواه
ابتسمت هي ابتسامة خجولة، ودمعة صغيرة لمعت في عينيها وهي بتقول
_طب ليه مش بتقولي الكلام ده من الأول؟
_علشان بحس إني لما بقولك كل اللي جوايا، هتفتكري إني ببالغ بس أنا مش ببالغ إنتِ بالنسبالي مش مجرد حد بحبه إنتِ المكان اللي بحس فيه بالأمان، حتى المكتبة اللي أنا مش بحبها لو فيها إنتِ تبقى أحلى مكان في الدنيا وأي شارع نمشي فيه سوا يبقى بيت حتى لو الدنيا حرّ أو زحمة أو برد مش بتفرقلي طالما معاكِ
_طب تعالىٰ معايا بقى، حتى لو هتقعد جنبي بس ومش هتمسك كتاب، اقعد اتفرج عليا وأنا هناقشك في اللي بقراه
_هقعد جنبك وهستناكِ تخلصي تختاري كتبك وممكن حتى أقرألك بصوتي لو حبيتي!
_هتقرألي؟
_هقرألك لحد ما تحسي إن كل الكلام اللي في الكتب دي مكتوب علشانا إحنا الاثنين
سكت وبصيتله وأنا بضحك على ردوده اللي مش أول مرة أسمع منه حاجة زي كده بالعكس هو من يوم ما اتجوزنا وهو معايا بالشكل ده، بحمد ربنا على وجوده في حياتي بجد.
_خلاص يا أحمد تعالىٰ نروح المكتبة سوا
_يلا بس المرة دي هتيجي تقعدي جنبي على الأرض زي ما كنتِ زمان وتشرحيلي ليه بتحبي كل كتاب بتاخديه
_اتفقنا بس المرة دي مش أنا اللي هقرألك.
المشهد الثالث:
طلعنا سوا وإيده في إيدي كأني بنته اللي لسة عندها سنة وشهور وبتتعلم المشي، فضلت ماشية معاه ومبتسمة طول الطريق اللي فجأة حسيته بقى أبسط وأجمل من أي مكان تاني .
دخلنا المكتبة وإحنا لسه ماسكين إيد بعض ريحة الورق أول ما دخلت علينا زي نسمة هادية، خلتني أتنفس بعمق المكان كله هادي، بس الهدوء المرة دي مكنش ممل زي ما كنت متوقع، يمكن علشان كنت معاها.
بصيت على وشها وهي ماشية وسط الرفوف، عينيها بتلمع كل ما تقع على كتاب جديد، إيدها بتمسك الكتاب بحنية كأنها بتمسك طفل صغير لسة مولود، افتكرت أول مرة جينا هنا سوا وهي كانت لسه مخطوبالي، نفس النظرة دي نفس الشغف يمكن عمره ما قل في نظرتها ملي حتى!
_إيه رأيك في الكتاب ده؟
رفعت الكتاب ناحية وشي، على غلافه صورة شجرة كبيرة وظلها ممتد بشكل طويل، هو تقريبًا تصنيف نفسي!
_شكله حلو بتحبي النوع ده ليه؟
ضحكت جميلة وقالت وهي لسه بتقلّب الصفحات بتاعة الكتاب علشان تحاول تعرف بيتكلم عن إيه وقالت
_بحسه بيكلمني، بحس كل كتاب جديد زي رحلة حتى لو صغيرة بس بتاخدني بعيد عن كل اللي حوالي
قربت منها أكتر وبصوت واطي قولتلها وأنا حاسس بغيرة منه
_إلا أنا، خدي بقى الكتاب ده واقريلي منه أول ما نرجع البيت، هسمع منك أول صفحة بس وإنتِ غرقانة في أحداث الكتاب والتفاصيل اللي هتشدك
_ما هو أنا بحس الكتب ليها طعم تاني لما أشاركك فيها، كأنها مش قراءة ورحلة هتنتهي كده كده، لا بالعكس دي كأنها حياة جديدة بنفتحها مع بعض
المشهد الرابع:
ابتسمت ومشيت وراها لغاية ما وقفنا عند ركن صغير في المكتبة فيه مقاعد خشب بسيطة قعدنا سوا، هي جنب الرف وأنا جنبها بالظبط هي فتحت الكتاب وأنا كنت ببص على وشها مش على الصفحات، طلبنا من ركن الكافية الصغير اللي موجود في المكان اتنين شاي بالنعناع وقعدنا
_بتعمل إيه؟
_بتفرج عليكِ وإنتِ مركزة كده، حتى المكتبة بقت أجمل من غير ما آخد بالي
ابتسمتلي بخجل وهي بتحط إيدها على خدي وبتتمسح في دراعي كانها قطة وبتشكر صاحبها على حاجة عملهالها بتحبها، وبعد ثواني فتحت صفحة عشوائية وبدأت تقرالي سطرين، صوتها كان هادي الكلمات طالعة من قلبها، وأنا حاسس إني مش عايز اللحظة دي تخلص، بعد ما خلصت السطرين سكتت وقالت
_أنت بجد مركز وسامعني أوي كده!
أنا دايمًا سامعك وده اللي خلاني أحب المكان ده حتى لو مش بحبه ومش من مفضلينه، مش علشان الكتب علشان إنتِ فيه.
مدت إيديها وخدت إيدي بإيدها وضحكت وقالت
_هو أنت كل مرة لازم تخليني أحبك أكتر من المرة اللي قبلها؟
_هو أنا عندي اختيار، كل ما أشوفك ما أنا بعمل كده من غير ما آخد بالي؟
الوقت كان ماشي ببطء حوالينا، أصوات الناس وهمس الأوراق بقى كأنه موسيقى خلفية لمشهد صغير بينا إحنا الاتنين.
المشهد الخامس:
بعد شوية وقفنا نختار باقي الكتب، وأنا كنت بشيل عنها الكتب اللي اختارتها كل ما تحط كتاب في إيدي، كنت بحس إن إحنا بنبني لحظات جديدة، ذكريات صغيرة هنتحاكى بيها بعدين لولادنا واحفادنا.
خرجنا من المكتبة وإحنا لسه ماسكين إيد بعض، جوايا دفا غريب بصيت لها وقولت
_عارفة يا جميلة حتى لو مكتبة، حتى لو شارع فاضي، حتى لو قهوة صغيرة طول ما أنا معاكِ المكان بيتحول بيت، بتعملي إيه يخليني احس بكدة، بتسرقيني من نفسي إزاي كده؟!
_وطول ما إنتَ معايا يمكن إحساسي بالأمان بينتقلك على شكل تاني
كملنا الطريق وهي حاطة رأسها على كتفي، والكتب في حضنها، وأنا حاسس إن اللحظة دي هي الحياة كلها بالنسبالي، بسيطة، حقيقية ودافية.
وصلنا البيت، الدنيا كانت هادية، بس جوايا صوتها لسه بيرن وأنا فاكر ضحكتها وسط الرفوف، جميلة دخلت قبلي وهي شايلة الكتب في حضنها كأنها شايلة حاجة غالية أوي، قعدت
على الكنبة وفتحت واحد من الكتب، وأنا قعدت جنبها.
_هتبدأي من دلوقتي؟
_آه، كنت وعدتك إني هقرألك أول صفحة دايمًا من أي كتاب، ولو حابب أنت تكمل معنديش مانع
بدأت تقرالي، صوتها هادي ودافي، وبعد شوية سكتت كانت تعبت فقفلت الكتاب وبصتلي وهي مبتسمة
_أحمد أنا شكلي عمري ما هعرف أقرأ لوحدي تاني
ضحكت وأنا بمد إيدي ألمس شعرها
_وأنا شكلي عمري ما هسيبك تقري لوحدك تاني
༺༻༺༻༺༻༺༻༺༻༺༻༺༻༺༻
بقلم رنا محمد “حبة البُندق”
رأيكم



