ضحية مجتمع (قصة قصيرة 2)

ضحية مجتمع

 

بقلم: صباح البغدادي

 

 

المشهد الأول:أحلام تطير كالفراشات

 

كانت جميلة الروح، رقيقة كنسمةٍ في فجرٍ ربيعي.

كانت أحلامها تتطاير كالفراشات حول جدران غرفتها الصغيرة، جدران تشهد على فتاةٍ لم تعرف من الدنيا إلا البراءة والحلم.

كانت ترسم وجوهًا تبتسم لها، وتكتب على الورق قصصًا عن النور والحرية.

 

لكن في تلك الليلة… اخترقت قلبها صعقة أنهت كل شيء.

صوت مكتوم، دمعة محبوسة، وجدارٌ كتب عليه آخر ما تبقّى من حلمها:

 

“أنا البنت اللي أحلامها قلبت كابوس.”

 

ضحية مجتمع

 

المشهد الثاني: صباح جديد في حياة غرام

 

طلعت شمس يومٍ جديدٍ في حياة غرام.

فتاة في المرحلة الثانوية، يملأ صوتها البيت ضحكًا وبهجة. تحب الرسم والكتابة، وتؤمن أن الفن طريقها إلى الحياة.

 

استيقظت بنشاط، توضأت، وصلت ركعتين، ثم نادت والدها بابتسامتها المشرقة:

صباح الحلو يا عم الحلو!

 

ضحك الأب بصوتٍ دافئ وقال:

صباح النور يا أحلى غرام في الدنيا.

 

رفعت حاجبها بمكرٍ طفولي:

فين ماما يا سليم؟

 

ضحك الأب وهو ينبهها:

سليم؟ خُلي أمك تسمعك كده وتشوف هتقول إيه!

 

دخلت الأم من خلفه، واضعة يدها على خاصرتها بابتسامةٍ خفيفة:

خلاص، طالما متعودة تناديه باسمه، أنا مالي!

 

اقتربت غرام منها، قبلت خديها وقالت بحب:

دي أحلى ماما في الدنيا.

 

ابتسمت الأم بحنانٍ ممزوجٍ بدعابة:

بكّاشة أوي يا بت! يلا افطري قبل ما تتأخري على المدرسة.

 

كان البيت مليئًا بالضحك والدفء…

ضحكة أب، ودعوة أم، ولم تكن تعلم غرام أن تلك ستكون آخر ضحكةٍ تراها على وجوههم.

 

ضحية مجتمع

 

المشهد الثالث: بداية اليوم الدراسي

 

دخلت غرام المدرسة بخطواتٍ خفيفة، تقابلها صديقتها المقربة مرام، فتاة تشبهها في الحروف لا في الحظ.

 

نظرت مرام إليها وقالت بلهجةٍ عتابٍ لطيفة:

كل ده يا غرام؟ اتأخرتي ليه؟

 

أجابت غرام وهي تتنهد:

ماما اتأخرت في الفطار، أعمل إيه يعني؟

 

ابتسمت مرام وهي تهمس بحنان:

أمك دي شديدة شوية… مش زي باباكي، متفاهم كده!

 

قالت غرام وعينيها تمتلئ بشجنٍ صامت:

آه، مش بتفهمني… ولا بتديني فرصة أتكلم.

 

ربّتت مرام على كتفها وقالت:

معلش يا غرام، عندك باباكي… هو سندك، واحكيله زي كل مرة.

 

ضحكت غرام ضحكةً قصيرة:

هو نقطة ومن أول السطر… منه ببدأ يومي وبنهيه.

 

ابتسمتا معًا، وسارتا نحو الفصل، والبراءة ما زالت تملأ وجهيهما.

 

ضحية مجتمع

 

المشهد الرابع: معاكسات في الطريق

 

بعد انتهاء اليوم الدراسي، خرجت الفتاتان في طريق العودة.

الهواء كان عليلًا، حتى قطعه صوت بعض الشباب المزعجين.

 

توقفت غرام وقالت بغضبٍ مكتوم:

أنا مش عارفة بيستفادوا إيه بكده!

 

قالت مرام بهدوءٍ وهي تسحب يدها:

سيبيهم يا غرام، ولا كأنهم موجودين. المهم نرجع بالسلامة.

 

قالت غرام بوجهٍ شاحبٍ من الغضب:

لو كل واحد ركّز في حياته، مكنّاش شفنا ده… الناس دايمًا بتشوف النقطة السودة في الورقة البيضا.

 

نظرت مرام إليها طويلاً، وقالت بإعجابٍ خافت:

يااه، كل ده جواكي يا غرام؟

 

أجابت غرام وهي تنظر للأرض:

مش عارفة وصلت لقمة الوجع… ولا لسه؟

 

ضحية مجتمع

 

المشهد الخامس: البيت الذي لم يفهم

 

دخلت غرام البيت لتجد والدها يجلس في الصالة. ألقت بنفسها بجانبه وقالت بحزن:

بابا، في شباب ضايقونا وإحنا راجعين من المدرسة… بس أنا ما رديتش.

 

أمسك الأب بيدها وقال بهدوء:

ما تزعليش يا بنتي، الناس دي مريضة. المهم إنتِ ما تسمحيش لحد يكسرك.

 

لكن الأم التي سمعت الحديث من بعيد دخلت بعصبيةٍ حادة:

أكيد كنتي بتضحكي بصوت عالي! هو أنا مش فاهماكي؟

 

ردت غرام والدموع تتجمع في عينيها:

والله ما حصل يا ماما! أنا مؤمنة بربنا، عمري ما أعمل كده.

 

صرخت الأم بحدة:

أمال الولاد مشيوا وراكم ليه؟

 

وقبل أن ترد، جاءت الجارة أم نعمة وهي تلوّح بيديها:

أنا شُفت بنتك ماشية مع شاب يا أختي!

 

نظرت غرام إليها بذهولٍ ودموعها تنهمر:

حرام عليكي… إنتِ بتتهميني ظلم؟ ده اسمه رمي محصنات!

 

لكن الجارة غادرت تاركة وراءها سُمًّا في القلوب.

 

اقترب الأب من ابنته، احتضنها وقال بصوتٍ متماسك رغم وجعه:

متخافيش يا بنتي، أنا واثق فيك.

 

ردت غرام بصوتٍ متقطع:

الخوف يا بابا بيقتلنا… الكلمة من غريب بتوجع، لكن لما تطلع من أهلنا… بتكسرنا.

 

قال الأب والدمعة تلمع في عينيه:

يااه يا بنتي، كبرتي قبل أوانك.

 

ابتسمت بحزنٍ قائلة:

المواقف بتكبرنا… بس أحيانًا بتعجزنا من جوا.

 

 

ضحية مجتمع

 

المشهد السادس: الفستان الأخير

 

بعد يومين، اتصلت مرام بغرام بحماس:

تعالي معايا يا بنت نختار فستان الخطوبة، مش هينفع أختار لوحدي.

 

ضحكت غرام وقالت:

خلاص، استني أستأذن بابا.

 

وافق الأب، رغم اعتراض الأم المعتاد.

ذهبتا معًا إلى المحل، جرّبتا الفساتين وضحكتا كثيرًا، وصورتا بعضهما للذكرى.

 

كان يوماً عادياً… لكنه كان آخر أيام غرام على قيد الحياة.

 

 

ضحية مجتمع

 

المشهد السابع: الفيديو القاتل

 

في المساء، وبينما كانت الأم تتصفح فيسبوك، وقعت عيناها على فيديو مصوّر من داخل المحل… غرام تغيّر فستانها.

 

شهقت الأم، والدم يغلي في عروقها، صرخت بأعلى صوتها:

يا غرام! ده وشك يا غرام؟!

 

دخل الأب مذعورًا، فوجدها تضرب ابنتها بعنف، بينما غرام تصرخ:

ماما، اسمعيني! أنا معرفش إن في كاميرا! والله معرفش!

 

صرخ الأب وهو يحاول إبعاد زوجته:

في إيه؟!

 

مدت الأم هاتفها نحوه وهي تبكي بغضب:

شوف الفيديو ده! بنتك جابت العار!

 

نظر الأب إلى الشاشة… ثم إلى ابنته التي ترتجف، وقال بصوتٍ مبحوح:

فسّريلي يا غرام، إيه ده؟

 

قالت غرام وهي تبكي بحرقة:

كنا بنقيس الفساتين أنا ومرام، والله ما كنت أعرف إن في كاميرا بتصورنا.

 

وفي تلك اللحظة، دق الباب، ودخل أهل مرام ليخبروا أن الكاميرات في المحل كانت خفية وأنهم أبلغوا الشرطة.

لكن الأم كانت قد أصدرت حكمها بالفعل… دون أن تسمع الدفاع.

 

ضحية مجتمع

 

المشهد الثامن: النهاية… أو البداية؟

 

جلست غرام في غرفتها، ملامحها خالية من أي حياة.

تأملت صورها، ألوانها، كتاباتها، وقالت بصوتٍ خافت:

هو أنا غلطت لما كنت نفسي؟ لما كنت بحلم؟

 

خرجت من غرفتها بخطواتٍ باردة، ووقفت أمام البلكونة.

التفتت نحو والديها اللذين ما زالا يتشاجران في الصالة.

 

ابتسمت ابتسامة صغيرة وقالت:

أنا آسفة… سامحوني.

 

ثم خطت الخطوة الأخيرة… وسقطت.

 

سقطت غرام، وسقط معها قلب الأب، وعقل الأم، وضمير مجتمعٍ بأكمله.

 

غرام لم تمت انتحارًا…

غرام ماتت قهرًا.

ماتت لأن أمًّا لم تُصغِ،

وجارةً لم تصمت،

ومجتمعًا لم يرحم.

للمزيد من القصص والمقالات المميزة ✨
تابعونا على
عوالم من الخيال



تابعونا على فيسبوك

Visited 1 times, 1 visit(s) today

2 تعليقات

  1. على أمل يتغير نظرة المجتمع❤❤♡♡

  2. مبدعة دائما وصفتي واقعنا المرير للاسف ❤️‍❤️‍

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *