النهاية
للكاتبة صباح البغدادي
المشهد الأول آخر لقاء مع دانة
كانت آخر مقابلة لي مع “دانة” مزيجًا بين الوداع والأمل. احتضنتها بقوة، كأنني أودع جزءًا من نفسي، فهي كانت أكثر من صديقة، كانت الأخت والروح التي تملأ أيامي بالضحك والونس. قالت وهي تحاول إخفاء دموعها:
“ما تبكيش يا سيلا، هنرجع نتقابل تاني، وعد.”
ابتسمت رغم وجعي وقلت:
“بس المرة الجاية ما تكوني رايحة، تكوني جاية.”
سافرت دانة لدراستها، وتركت خلفها فراغًا لا يُملأ، وذكرياتٍ تضحك أحيانًا وتوجع أحيانًا أخرى. كنت أظن أن الحياة ستمضي كعادتها
المشهد الثاني السقوط في العتمة
، لكن بعد يومين فقط، داهمني المرض كعاصفةٍ لا رحمة فيها. جسدي انهار، وصوتي خفت، حتى أنفاسي صارت ثقيلة كأنها تُقاوم الرحيل.
دخلتُ المستشفى بين أيدٍ باردة وأجهزة تُصدر أصواتًا لا تُطمئن القلب. ومع مرور الساعات، ساءت حالتي حتى فقدت الأمل. رأيت الخوف في عيون من حولي، وسمعت الأطباء يتهامسون عن حالتي كمن يُعدّ كلمات الوداع.
تركت كل شيء… السوشيال ميديا، العمل، وحتى هاتفي الذي كان صلتي بالعالم. شعرت أن النهاية اقتربت، وأن الأرض تنسحب من تحت قدميّ ببطء.
المشهد الثالث غياب الرسالة
لكن رحمة الله كانت أقوى من الوجع. كأن الحياة قررت أن تمنحني فرصة أخرى، فرصة كي أتنفس وأرى من جديد. وبعد أيامٍ من العلاج، بدأت أستعيد وعيي. كانت أول فكرة خطرت ببالي حينها: أين هو؟
فتحت “المسنجر” ويدي ترتجف، أبحث عن رسالةٍ منه… “آدم”، حبيبي الغائب، ووجع قلبي الدائم.
لكن لم أجد شيئًا. لا كلمة، لا سؤال، لا أثر له. وكأن غيابي لم يعني له شيئًا. ساعتها فقط أدركت أن النهاية قد بدأت، لا لأنني شُفيت، بل لأن قلبي انكسر للمرة الأخيرة.
وبينما كانت الدموع تنهمر بصمت، ظهرت عشرات الرسائل من أصدقائي، جميعها تحمل نفس السؤال:
“أين أنتِ يا سيلا؟ ليه مختفية؟”
المشهد الرابع العودة من حافة الموت
ابتسمت بمرارة، وكتبت لهم بصوتٍ خافتٍ داخل قلبي قبل أن أرسله عبر الحروف:
“كنت أودّع الحياة… لكن يبدو أن الله كتب لي العودة من جديد.”
ثم أغلقت الهاتف، وأسندت رأسي على الوسادة، وأنا أردد بصوتٍ مبحوح:
يمكن ربنا رجعني… عشان أتعلم أودّع من غير ما اتوجع
المشهد الخامس النهاية التي لم أُردها
في تلك الأيام العصيبة، حين كنت بين الحياة والموت، كان هناك شخص قريب مني، ظلّ على تواصلٍ دائم مع إحدى رفيقاتي، يسألها عني في كل ساعة. كانت تلك الرفيقة تُدعى “دُنيا”، هي من كانت تخبره بتفاصيل حالتي، وكيف أنني ما زلت على قيد الأمل.
المشهد السادس الصورة التي لم يكن يجب أن تُلتقط
وفي يومٍ من الأيام، طلب منها أن تُرسل له صورة لي، فقط ليطمئن أو هكذا ظننت. التقطت دنيا الصورة بينما كنت غارقة بين الأجهزة، أنبوب على فمي، وأسلاك تحيط بي من كل جانب، وجهاً شاحباً ونظرة غائرة بين الحياة والغياب. لم أعترض، فربما كان يشتاق، وربما يهمه أن يعرف أنني لا زلت أتنفس.
المشهد السابع خيط الأهتمام الملتوي
ومع مرور الوقت، تحوّل الاطمئنان إلى حديثٍ متكرر بينهما، حتى أصبحت دنيا صديقته المقربة في فترة مرضي، تشاركه أخباري، وتسمعه تنهّداته، وربما شيئاً من اهتمامه الذي كان من المفترض أن يكون لي وحدي.
المشهد الثامن ولادة جديدة من بين الأجهزة
ثم شاء الله أن يكتب لي الشفاء. عدت أتنفس من دون أجهزة، وعدت أرى ضوء الشمس من جديد. بدأت أتحدث مع دنيا، صديقتي التي لم تتركني لحظة، كانت تبكي فرحًا بي وتقول:
“الحمد لله على سلامتك يا سيلا، قلبي كان مقبوض طول الوقت.”
ابتسمت بضعف وقلت:
ـ”ربنا كبير يا دنيا رجّعني للحياة من تاني.”
كنت ما زلت في المستشفى، لكنني أشعر بنبضٍ جديد يسري في عروقي، نبض يُخبرني أن ما بعد المرض لن يكون كما قبله.
المشهد التاسع الخبر الذي فقد معناه
وفي مساء ذلك اليوم، جاءني رسالة من ذلك القريب، يحمل شيئًا من الحماس
ــ “سيلا، عندي خبر حلو… أظن هيفرحك.”
نظرت الى الرسالة بصمتٍ طويلٍ وقلت بهدوءٍ متعب:
ــ “أتوقع إنك هتقول إن آدم… حبيبي الغائب، جات موافقته على دخول مصر.”
شعرت بتجمده في مكانه بدهشةٍ من معرفتي، ثم قال بخفوت:
ــ “أيوه… إزاي عرفتي؟!” اه صح نسيت انك الاخبار بتجي لك وانت بمكانك على العموم أنا المحامي لسه بعت لي رسالة بالخبر
ابتسمت ابتسامة باهتة، وقلت وأنا أحدّق في الفراغ:
ــ “عرفت، بس ما قلتلكش… لأن الخبر ده ما بقاش يهمني زي زمان. قلبي أعلن النهاية والفراق للأبد.”
المشهد العاشر موتٌ صغير وبداية سلام
سكت قليلًا، ثم تابع بصوتٍ خافتٍ وكأنه يحاول فهمي:
ــ “بس سيلا… ده حلمك من سنين!”
نظرت الى الرسالة والدموع تلمع في عيني، وقلت:
ــ “كنت بحلم بيه وأنا حية بجسدي، لكن دلوقتي… بعد اللي حصل، أنا عشت موت صغير، واللي بيموت مرة… ما بيخافش من الفراق.”
أغمضت عينيّ، وشعرت بسلامٍ غريب يسكن قلبي، كأن الله أراد أن يشفيني من المرض… ومن الحب أيضًا
المشهد الحادي عشر اللقاء الذي لم يحدث
وصل آدم إلى مصر أخيرًا، حاملاً في قلبه مزيجًا من الشوق والخوف. كانت عيناه تبحثان عن “سيلا” في كل شارع، في كل ملامح تشبهها، كأنه يطارد ظلها المفقود. أرسل لها رسائل كثيرة، اتصل، ترك مئات الكلمات في الفراغ، لكنها لم تُجب.
المشهد الثاني عشر صمت ما بعد الشفاء
أما هي، فكانت تعلم بوجوده، تشعر بأنفاسه تقترب من عالمها، لكنها اختارت الصمت.
جلست في شرفة غرفتها بالمستشفى، تراقب الغروب الذي يشبه قلبها في لحظة النهاية.
قالت لنفسها وهي تشد الغطاء على كتفيها:
“مش كل رجوع يستاهل استقبال، في رجوع بييجي متأخر… بعد ما القلب يقفل بابه للأبد.”
المشهد الثالث عشر جدال الأمل الاخير
كانت دنيا تحاول إقناعها أن تراه،
“سيلا، يمكن نفسه يعتذر، يمكن ندمان!”
فأجابت بصوتٍ هادئٍ ودمعة معلقة في عينها:
ــ “حتى لو ندم، الوجع اللي سابه جوايا أكبر من أي كلمة آسف. مش دايمًا الرجوع بيصلّح اللي اتكسر.”
المشهد الرابع عشر أنتظار في الاتجاه الخطأ
مرت أيام، وانتظر آدم عبثًا. كل مرة كان يظن أنها ستلين، لكنها لم تفعل.
زار الأماكن التي كانت تحبها، مشى في الطرقات التي شهدت أحلامهما، لكنه عاد منها بخُطى مثقلة، كأن الأرض ترفض أن تحمله أكثر.
المشهد الخامس عشر الرسالة الأخيرة
وفي آخر ليلة له في مصر، كتب رسالة قصيرة وأرسلها لها:
سيلا… كنت أتمنى أشوفك حتى من بعيد. يمكن اللقاء كان هيخفف عني، بس يمكن ربنا كاتب النهاية كده. حافظي على نفسك… زي ما كنتِ دايمًا السبب في قوتي.”
قرأت الرسالة بصمت، وضمت الهاتف إلى صدرها، ثم أغمضت عينيها وهي تهمس:
“وكنتَ إنت السبب في ضعفي يا آدم… بس خلاص، اتعلمت أعيش من غيرك.”
المشهد السادس عشر وداع السماء
غادر آدم القاهرة مع أول ضوءٍ للفجر، بينما كانت سيلا تُطلّ من نافذة غرفتها تشاهد الطائرة في السماء البعيدة.
لم تدرِ إن كان في تلك الطائرة حقًا، لكنها شعرت بأن شيئًا ما غادر قلبها معه.
رفعت رأسها نحو السماء وقالت بصوتٍ خافتٍ ممتزجٍ بالدموع والسكينة:
“اللهم لا رجوع بعد النهاية… إلا راحة القلب.”
وساد الصمت.
صمتٌ يشبه السلام… لا فراق بعده، ولا وجع.





[…] تابعوا باقي القصص من هنا […]
جميل جدا
الله يسلمك يا رب ادعي لي بقا اخرج منها ع خير ❤♥ويوفقك يا رب ❤
الحمدلله ع سلامتك ربنا يشفيكي ويعافيكي ❤️
مبدعة دائما ربنا يوفقك ❤️