قهوة مُرّة
للكاتبة صباح البغدادي
المشهد الأول: فلسفة القهوة

القهوة ملهاش دعوة بتغيّر المود، إحنا اللي بنقنع نفسنا إنها العلاج بندي إشارة للمخ، نقوله “اهدَى دي القهوة جت”، والمسكين يصدق!
عجيب قد إيه الكلمة ممكن تغيّر إحساس، وقد إيه البشر سهل يخدعوا نفسهم بحاجة بسيطة زي فنجان.
المشهد الثاني: نظرة بتوجع
بصّت له أسماء بعين تايهة، وهي ماسكة الفنجان بإيدها المرتجفة.
– قصدك إيه يا علي؟
ردّها بنظرة فيها حزن وسكوت وبإيده أشار لفنجانها.
هي فهمت تنفست بعمق وضحكت، بس الضحكة كان فيها وجع متخفي.
– لا أنا بشربها وبسهر. معرفش الناس اللي بتنام منها دي بيعملوها إزاي.
المشهد الثالث: ضحكة وجع
ضحكوا الاتنين بس كانت الضحكة نصّها حقيقية ونصّها وجع ساكت.
كل واحد فيهم بيخبّي وجع جوه صدره، بيصرخ في صمت، بس محدش سامع.
ريحة القهوة مالت الجو، كأنها بتحاول تلمّ الشتايت اللي بين قلوبهم،
بس الطعم كان مُرّ زي الذكرى اللي بين الاتنين.
المشهد الرابع: غياب الكلام
سكتوا لحظة طويلة، بس السكون نفسه كان بيحكي أكتر من أي كلام.
أسماء كانت بتقلب الفنجان بين إيديها كأنها بتدور على إجابة جوّاه،
وعلي كان بيبص فيها بنظرة مليانة حنين، بس فيها وجع قديم.
قال بهدوء وهو بيحاول يخفي ارتباكه:
– فكرِة إن القهوة تغيّر المود زيّها زيّنا، بنحاول نضحك على نفسنا ونقول “تمام”.
ردّت وهي بتبص للنافذة:
– يمكن علشان التعب بيخلينا نحتاج كدبة حلوة حتى لو عارفين إنها كدبة.
المشهد الخامس: الماضي اللي ما ماتش
رجع بعقله لآخر مرة سابها فيها نفس الكافيه، نفس الفنجان، بس ساعتها كان الوداع.
فاكر دمعتها اللي خبّتها في الضحك، وفاكر هو لما مشي وسابها لوحدها.
والنهارده رجع، بس كل حاجة شبه المرة اللي فاتت ما عدا هما.
قالها بخفوت:
– إنتي لسه بتحبي القهوة المُرّة؟
ابتسمت ابتسامة وجيعة وقالت:
– يمكن علشان بتفكرني بطعم الأيام اللي عدّت كانت مُرّة برضه.
المشهد السادس: وجع ما بعد الرجوع
قلبها كان بيدق بسرعة، ومفيش سبب تقوله.
هو كمان حاسس بنفس النبضة، بس متردد يحكي.
العيون اتكلمت والذكريات قامت من نومها،
كأن الفنجان ده مش قهوة، ده زمن بيرجعهم غصب عنهم.
قالت بصوت واطي:
– يا علي إحنا ليه كل ما نحاول نبدأ من جديد، نرجع لنفس الوجع؟
ابتسم بمرارة وردّ:
– يمكن علشان الوجع عمره ما راح هو بس غاب شوية.
المشهد السابع: المواجهة
الهدوء غلّف المكان، صوت المعلقة وهي بتخبط في الفنجان كان هو الموسيقى الوحيدة اللي بتكسر الصمت.
أسماء بصّت له بنظرة وجعها فيها سؤال واضح:
– ليه رجعت يا علي؟
ابتسم ابتسامة صغيرة، وقال وهو بيحاول يخبّي رعشة صوته:
– يمكن علشان ماقدرتش أعيش والبُعد عامل فيا كده..
أنا كنت فاكر النسيان سهل، بس كل مرة كنت أشرب فيها قهوة، كنت بشوفك فيها.
غضّت عينيها لحظة، والدمعة وقفت في طرفها، قالت:
– وأنا كنت كل يوم أقول خلاص نسيت.. بس كل ما أشم ريحة القهوة، كنت بحس إنك راجع.
المشهد الثامن: لحظة صدق
مدّ إيده بهدوء، قرب منها، وقال بصوت مبحوح:
– يمكن إحنا اتأخرنا، ويمكن اتكسر بينا حاجات، بس في حاجة واحدة لسه حقيقية إحساسي بيكي.
رفعت عينيها ليه، والنور في عنيها اختلط بالدموع،
قالت وهي بتحاول تضحك:
– وأنا برضه يمكن الحب ما راحش، بس وجع الأيام غيّر طعمه.
قرب أكتر، وصوته نزل واطي كأنه وعد بيتقال من القلب:
– المرة دي مش هسيبك، ولا هسيب وجعك لوحدك.
أنا وعدتك زمان أكون جنبك، وهرجع أوفي.
حتى لو القهوة فضلت مُرّة…
أنا هافضل معاكي، لحد ما طعمها يبقى حُلو من وجودي حواليك.
المشهد التاسع: غروب ووعد جديد
النهار بدأ يسلّم للمساء، والشمس نازلة بهدوء كأنها بتحترم اللحظة اللي بينهم.
ضوء الغروب كان بيتمسّك بملامحهم، يرسم حوالين وشوشهم دفء خفيف،
والقهوة قدامهم بردت، بس الكلام اللي بينهم سخّن الدنيا كلها.
أسماء كانت ساكتة، بتبص في الفنجان كأنها بتقرأ آخر سطر من رواية طويلة.
قالت بنبرة فيها راحة ممزوجة بخوف:
– يا ترى المرة دي هنكمّل؟ ولا الزمن هيضحك علينا تاني؟
قرب منها علي، وبصّ في عينيها بثبات أول مرة تحسّه من سنين،
وقال بهدوء يشبه وعد مكتوب على القلب:
– لا، المرة دي هنكمّل.
مش علشان الدنيا بقت أحنّ، لكن علشان إحنا اتعلمنا نوجع مع بعض،
ونضحك رغم كل حاجة، ونفهم إن القهوة المُرّة ممكن تبقى حلوة لو اتشربت بإيدين بتحب.
ابتسمت أسماء والدمعة نزلت،وقالت بصوت واطي وهي ترفع الفنجان:
– لو ده وعدك، يبقى هشرب آخر رشفة وأنا مصدّقة إن المرّة دي هنفضل لبعض.
مدّ إيده ولمس إيدها بخفّة، وقال وهو بيبص للغروب:
– وعد بالبقاء على مرّ الطعم، وعلى حلو الأيام اللي جاية.
وسكتوا هما الاتنين،
بس الصمت كان دافي،
زي حضن بيت من غير كلام.
قهوة مُرّة




[…] اقرا قصة قهوة مُرّة من هنا […]
جميييل