مغامراتي داخل مستشفى المجانين 2

مغامراتي داخل مستشفى المجانين: أسرار الممر الممنوع

للكاتبة صباح البغدادي

كانت رباب تعود إلى المستشفى بعد يوم مرهق، لكن هذه المرة شعرت بشيء مختلف كأن شيئًا ما ينتظرها، شيء لم تُواجهه بعد.

الظل الغامض الذي رأته في الليلة السابقة ظل محفورًا في ذهنها، وصوت الهمس الذي قال: “أنا أراقب كل شيء” ظل يلاحقها حتى في نومها.

عندما دخلت من باب المستشفى، استقبلتها سماح بعينين متوترتين بشكل واضح.

سماح:

— الدكتورة عندي كلام مهم بس تعالي على جنب.

رباب رفعت حاجبها:

— خير؟ في حاجة حصلت؟

سماح ابتلعت ريقها وقالت بصوت منخفض:

— عنبر 10 مش هو أخطر مكان هنا في مكان أخطر بكتير ممر ماحدش بيدخله اسمه “الممر 7”.

رباب شعرت بقشعريرة تسري في ظهرها.

— ليه محدش بيدخله؟

— لأن أي حد دخله بيفضل يسمع أصوات طول عمره… أصوات محدش يعرف مصدرها.

وابتسمت سماح تلك الابتسامة المزعجة التي تعودت عليها رباب، لكن هذه المرة لم تكن تحمل أي ضحك بل خوف حقيقي.

كانت الأضواء في الممر الرئيسي تومض، وتحول هذا الوميض الخافت إلى ظل ممتد طويل خلف رباب، كأنه يمشي معها.

توقفت.

الظل توقف معها.

رباب همست لنفسها:

— ده مش طبيعي…

صوت الرجل الغريب من عنبر 10 وصلها من بعيد، صوته أعلى من المعتاد، كأنه يغني ليلفت انتباهها:

— اللي بيدخل الممر 7 مايرجعش زي ما دخل…

سماح ضربته بنظرة وقالت:

— اسكت انت! متخوفش الدكتورة أكتر!

لكن رباب شعرت برغبة غريبة رغبة في الاقتراب من الحقيقة.

اقتربت من باب الممر 7، الباب كان صدئًا قليلاً، عليه لافتة قديمة مكتوب عليها بخط باهت: ممنوع الدخول خطر.

وضعت يدها على الباب…

كان باردًا جدًا، بطريقة غير منطقية.

فتحت الباب ببطء…

صرير الباب كان عاليًا كأنه يصرخ.

الهواء بدا أثقل، والجدران كانت أغمق، كأن الضوء نفسه يخاف الدخول هذا المكان.

وسُمعت فجأة ضربة قوية خلفها!

التفتت بسرعة لم تجد أحدًا.

لكنها سمعت صوت خطوات بمعدل بطيء جدًا…

خطوة…

ثم صمت…

ثم خطوة ثانية…

سماح صرخت:

— دكتوووورة اقفلي الباب وتعالي!

لكن رباب لم تتحرك.

الأصوات القادمة من الممر كانت تزداد…

أصوات همسات، بعضها قريب، بعضها بعيد، بعضها كأنه يتكلم في أذنها مباشرة:

— ارجعي…

— لا تدخلي…

— نحن نراكِ…

— وأنتِ من ترين؟

رباب ارتجفت لأول مرة منذ دخولها المستشفى.

الممر بدا وكأنه يتنفس كأنه كائن حي ينتظرها.

وفجأة، ظهر ظل طويل جدًا في نهاية الممر، أطول من الطبيعي، يتحرك ببطء ثم اختفى فجأة.

رباب تراجعت خطوة للخلف…

لكن الباب أُغلق وحده، بقوة، خلفها.

سماح صرخت من الخارج وهي تضرب الباب:

— دكتووووورة! افتحي!

رباب حاولت، لكن الباب لم يتحرك.

الظلام أمامها أصبح أثقل، والهمسات أصبحت أوضح.

ثم… ظهر نفس الصوت الغامض الذي سمعته في الليلة السابقة:

— قلت لك كل من يدخل هنا لا يعود كما كان.

رباب أغمضت عينيها للحظة…

ثم استجمعت قوتها وقالت بصوت مرتجف لكنه ثابت:

— لو كان في سر أنا لازم أعرفه.

وعندما فتحت عينيها…

كان شيء يقف أمامها مباشرة.

ليس إنسانًا…

وليس ظلًا…

بل شيء بين الاثنين، يبتسم لها ابتسامة بطيئة… غير بشرية.

ظل الشيء يقترب ببطء…

والباب ظل مغلقًا…

وسماح تواصل الصراخ من الخارج دون أن تسمع جوابًا…

لتبقى الحقيقة معلّقة بين الظلام والهمسات، وتترك سؤالًا أكبر:

هل ستتمكن رباب من الخروج من الممر 7، أم أن المستشفى قرر الاحتفاظ بها؟

المشهد الثاني مغامراتي داخل مستشفى المجانين أسرار عنبر 10

كان الصباح قد بدأ يزحف ببطء فوق المستشفى، لكن بالنسبة لرباب، لم يكن هناك أي فرق بين ليلٍ مرعب وصباحٍ صامت…

بعد ما حدث في الممر 7، لم تستطع النوم. كل صوت، كل خطوة، كل ظل كان يذكرها بما رأته هناك… أو بما ظنّت أنها رأته.

رغم خوفها، قررت أن تواجه الحقيقة بطريقتها.

فذهبت مباشرة إلى عنبر 10 ذلك المكان الذي بدأت منه كل الهمسات.

وقفت أمام باب الغرفة رقم 10.

تنفست بعمق، وفتحت الباب.

كان الرجل جالسًا كما هو نفس الابتسامة الهادئة، نفس العيون التي تبدو وكأنها تعرف أكثر مما ينبغي.

كان يحرّك أطراف أصابعه على الإيقاع ذاته، كأنه يعزف نغمة لا يسمعها غيره.

رباب تقدمت بخطوة ثابتة، وجلست أمامه.

— صباح الخير.

نظر إليها طويلاً ثم قال بصوت خافت:

— الصباح هنا ما بيصحّاش حد بس بيكشفهم.

رباب حاولت تكون هادئة.

— أنا عايزة أتكلم معاك محتاجة تفهمني أنت بتشوف إيه؟ بتسمع إيه؟ ليه بتغني الصبح وتكمل بالليل؟

ابتسم ابتسامة بطيئة…

— عشان الليلة بتقولّي اللي الصبح ماقدرش يقوله… والأصوات هنا ملهاش وقت.

رباب اقتربت بكرسيها:

— الأصوات دي بتقولك إيه؟

تحولت ابتسامته إلى شيء غامض ليس جنونًا، بل معرفة.

— بتقول الحقيقة.

— وأيه هي الحقيقة؟

نظر إليها مباشرة…

ولأول مرة شعرت بخوف مختلف.

ليس خوفًا منه بل مما سيقوله.

ثم قال الجملة التي جمدت دمها:

“في المصحات لا يوجد مرضى نفسيون، يا دكتورة بل ضحاياهم.”

رباب لم تستوعب.

— ضحايا مَن؟

— ضحايا الناس اللي جوه اللي بره اللي لسه هيدخلوا… واللي بيعتقدوا إنهم بيعالجوا.

اتسعت عينه أكثر، وقال بصوت منخفض كأنه يكشف سرًا مدفونًا:

— أنتِ فاكرة إنك جيتي هنا لوحدِك؟

رباب ارتبكت:

— تقصد إيه؟

مفيش حد بيجي المستشفى دي إلا لو حد جرّه.

— حد؟ مين؟

— اللي فتح لك باب الممر 7 وقفل وراك.

رباب شهقت:

— أنت عرفت إزاي؟

ضحك ضحكة قصيرة جدًا…

— أنا مش بسمع أصوات أنا بسمع الحقيقة.

وسكت ثم أضاف:

— وانتِ صوتك اتغير من امبارح.

رباب شعرت بارتعاش في صوتها.

ـ صوتي؟

ـ أيوه بقى فيه صدى نفس صدى الممر 7.

اقترب بجسده للأمام، وصوته أصبح هامسًا:

— هو لمسِك صح؟

رباب تراجعت:

— مين هو؟

رفع أصبعه وأشار إلى السقف لكن عينه كانت تنظر خلفها مباشرة.

رباب التفتت…

لم يكن هناك أحد.

لكنها شعرت بوجود قوي وجود بارد يقف خلفها مباشرة.

الرجل همس:

— ماتخافيش هو اختارك.

رباب وقفت بسرعة، قلبها يدق كالطبل.

— أنا لازم أمشي.

الرجل قال قبل أن تخرج:

— لما تحتاجي الحقيقة ارجعي.

وتوقفت للحظة، فتابع:

— بس المرة الجاية هنتكلم عن الضحية اللي سبقتك.

رباب غادرت العنبر بسرعة، لكنها قبل أن تغلق الباب…

سمعته يغني مقطعًا جديدًا لم تغنهِ الأصوات من قبل.

أغنية تحمل اسمها.

رباب تقف في الممر، تتنفس بعمق، بينما ظلال الممر 7 تغزو عقلها، وصوت الرجل يردد اسمها وكأنه يعرف ما سيحدث قبل أن يحدث.

ويبقى السؤال…

هل ستعود لعنبر 10؟ أم سيعود هو إليها قبل ذلك؟

المشهد الثالث انهيار الحقيقة

كانت رباب تسير في الممر الطويل للمصحّة وقد تغيّر إحساسها بالمكان تمامًا. لم يعد المبنى مجرد جدران رمادية ولا أصوات متقطعة خلف الأبواب بل أصبح كيانًا ممتلئًا بالقصص التي لم تُروَ، والوجوه التي تحمل خلف ابتسامتها الهادئة ندوبًا لا تُرى.

اقتربت من عنبر 10 مرة أخرى، تلك الرهبة القديمة أصبحت الآن فضولًا مؤلمًا. كانت كلمات الرجل الغامض تطنّ في رأسها:

“في المصحّات لا يوجد مرضى نفسيين، بل ضحاياهم.”

دخلت رباب غرفة المراقبة تقلب الملفات واحدًا تلو الآخر. لم تجد تاريخًا واحدًا يشير إلى مرض عقلي حقيقي فقط “انهيار”، “صدمة”، “ضغط”، “فقدان”.

رفعت رأسها فجأة…

لماذا كل هذه الحالات متشابهة؟

لماذا تبدو معاناة الجميع مرتبطة بغيرهم أكثر من أنفسهم؟

كأن الخيوط بدأت تتجمع أمامها، فقررت العودة للمريض في عنبر 10، الرجل الذي بدا وكأنه يعرف الكثير.

دلفت الغرفة، وجدته جالسًا كما تركته، يبتسم كأن مَن يدير لعبة أكبر من إدراكها.

قالت بهدوء أعمق من رهبتها:

رباب: ممكن أفهم إزاي كل الحالات هنا شبه بعض؟

الرجل: (مارفعش عينه عنها) لأن اللي برّه… أخطر من اللي جوّه.

رباب: تقصد إيه؟

الرجل: أنتو دايمًا بتفكروا إن المريض هو اللي محتاج علاج لكن الحقيقة؟

(اقترب منها خطوة بخطوة)

إحنا كلنا هنا ضحايا اللي برا.

تجمدت رباب في مكانها.

أكمل الرجل بصوت منخفض، كأن الكلمات مُحرّمة:

“برا المصحّة فيه ناس بتكسر اللي بتحبهم بيدمّروا نفسية اللي قدامهم بكلمة، بسكوت، باستهانة، بلحظة خذلان. ممكن يكون صاحب؛ صديقة؛ أخت؛ أخ؛ أو حتى أهل.”

شعرت رباب بقشعريرة اجتاحت عمودها الفقري.

سمعت صوته يتابع بعمق مخيف:

“اللي جوّه هنا اتكسّروا بسبب اللي برا مش بسبب نفسهم.”

انتبهت رباب حين لاحظت أن الممر خارج الغرفة أصبح هادئًا بطريقة غير طبيعية ولا يوجد صوت ممرضة ولا حركة أقدام.

كأن العالم داخل المصحّة يحبس أنفاسه ليستمع لما يُقال.

اقترب الرجل من سريره وجلس، وكأنه أخبرها بحقيقة لا رجعة بعدها:

“انتي مش في مستشفى يا دكتورة انتي في مرآة.

كل واحد جوّه… انعكاس لحد برّه دمّر روحه وسبه يضيع لوحده.”

رفعت رباب يدها على قلبها بدون وعي.

هذه ليست مهمة وظيفة هذا تحقيق في جروح إنسانية تُصنع خارج هذه الجدران.

وفي اللحظة نفسها انطفأت أنوار العنبر.

ظلام دامس…

صمت خانق…

وصوت الرجل يهمس آخر جملة سمعتها قبل أن ينقطع كل شيء:

“فاضل بس تعرفي إن الضحية الجاية لسه ما دخلتش المصحّة.”

ولازال الغموض يزداد.

هل يقصدها؟

أم يقصد أحدًا أقرب إليها مما تتخيل؟

وهل المصحّة مكان للعلاج أم مقبرة صامتة لضحايا الخارج؟!

أقرا قصة مغامراتي داخل مستشفى المجانين الجزء الأول من هنا

للمزيد من القصص والمقالات المميزة ✨
تابعونا على
عوالم من الخيال



تابعونا على فيسبوك

4 تعليقات

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *