رسائل مرسلة: رسائل السلم والأمان.
أذكر أول مرة إلتقينا فيها داخل معرض الكتاب يا سلم.. حيث يلتقي المسافرين من كل مكان على أمل واحد واهتمام واحد ويجمعهم إدمانهم للكتب وعبقها في بقعة واحدة، حيث تتلاقى الأنفاس وتُستنشق الجمل بدلًا من الهواء ونزفر جميعنا حروف، كل منا قصة منفردة كالتي يحملها بين يديه، كل منا بطل خفي في عالمه الخاص والبقية من حوله أدوار ثانوية يكملون قصته حتى تلك التي نكتبها على الورق… ما نحن فيها إلا رواة.
رسائل مرسلة: طرد خجول.
عزيزتي سلم.. على ضوء مصباحي الخافت وبقلمي المحبر وأوراقي البيضاء، إتكأت بيدي على مكتبي لكي أكتب لك من جديد في خطابي الثاني بعد خطابي الذي هرمَ حتى يعرف لك عنوان..
اليوم مررت بمحل بيع الكتب أتفقد هل من جديد؟! فقد مللت رتابة الأحداث ومللت تكرار قراءة ما لدي من حكايا وراح دماغي ينسج من تلقاء نفسه قصصًا وهمية لشدة إشتياقه لحدث جديد، حدث يتيح لي رشفة من سعادة.
لمحتها ذات الفستان الممسوح.. فتاة ملامحها بطعم الواقع رغم أن حديثها من خيال.. ألقت السلام بود وهي تبتسم كضربة حظ لمتسول فقير، وهبَّ عبيرها كنسيم الخريف الهادئ الذي تعقبه كل البدايات، راحت تسأل العم الواقف بالمحل عن إسم كتاب غريب بشغف يخرج من عينيها مُتحدثًا بإسم ما يدور في عقلها من رغبة وما في قلبها من اشتياق.
رسائل مرسلة
رد عليها البائع مؤكدًا أنه واخيرًا قد وصلت قصتها بعد طول إنتظار… فراحت تبتسم كوردة تتفتح لأول مرة.. نال مني العجب وأخذ فضولي يقفز على الجدارن حولنا دون هدوء وقد تعلقت عينيه بذات الفتان الممسوح والعينين البنيتين والملامح المخمرية الهادئة.
يود لو يعرف ما الذي تبحث عنه الحسناء وما القصة التي تجعلها هكذا كوردة على وشك التفتح، تنتظر فقط إشارة الربيع…. وقفت أنتظر اتطلع لظهر العم الباحث بين أرفف الحكايا عليَّ أرى.
رسائل مرسلة: نهاية قبل بداية.
لم يمضي الوقت حتى أظلمت كشمس تغرب عن نهار سريع. حينما أكمل العم جملته ملتفتًا أنها بيعت كلها.. صمتت الفتاة وانطفأت ثم رحلت دون حديث وكأنها الليل الهادئ.
ورأيت خلفها أذيال من الحسرة والكتمان وكل خساراتها السابقة تركض خلفها.. تصنع الكثير من الضجيج… رغم سكون الفتاة نفسها.
بان التعجب على وجهي فحدثني العم أنها تتردد على المكتبة كل يوم متلهفة لقصتها الجديدة قصة قد تغير حياتها ولكن في كل مرة تعود دون جديد.. كانت الفتاة تأتي كل يوم ولكن قصتها لم تأتي أبدًا..
رسائل مرسلة
يا سلم.. نيران الخذلان تحرقنا دون حديث.. الشوق اللهفة والحنين إلى أحلام صغيرة، نود لو نلمسها بأناملنا الحالمة ولكنها تظل تبتعد مسرعة كغزال يهرب من صياده وهو لا يفهم أنَّ الصياد لن يؤذيه، بل سيحتضنه بكل اشتياق يا سلم .
يا سلم… لمَ لا يحصل الجميع على أمانيهم البسيطة.. لمَ لا يتزوج المرء من يحب؟ ويحصل الفقير على ماله الذي يغنيه سؤال الناس؟ ويرزق الجميع بالأطفال؟ ويحقق الجميع نجاحاتهم؟
لمَ تموت الأحلام في أعيننا وتخذلنا الحياة! لمَ لا يكون الأمر أسهل بكثير… من البحث عن السعادة.. ألطف بكثير… من كسر القلوب
لمَ كل الأحلام تخذلنا خاصة تلك التي نتشبث بها حتى آخر الأنفاس.
اهي الأوهام يا صديقتي تقتلنا بعدما رسمت لنا أوهام.. أم منطق الدنيا هو دفن القلوب الواعدة مع الاحلام.. جنة الحالمين يا سلمى ونار المستيقظين.. كلنا فيها آدم حينما رأى الثمرة نمد يدنا نحوها وقبل أن نقطفها نخرج منها راكضين.. ونستيقظ على وهم الدنيا الآثمة وكلنا آثمين.
متى ينال المرء أحلامه.. متى يتزوج قيس ليلى ويلتقي عنتر عبلة.. أم أن الأمر بات مستحيل.. أن يلتقي المرء أحلامه ويفرق كما كانت تفرق العاشقين.
يال تعاسة المرء يا سلم… هي الدنيا.
رسائل مرسلة: بعد رحيل السؤال.. ووصول الجواب.
رد من سلم.
عزيزتي آمن، كيف حال قلبك الحالم ؟
أرجو أن تتلمسي لي الأعذار في التأخر في الرد واختفائي المفاجئ ؛ وتقبليها بطيب نفس كما عهدتك منذ لقاءنا الأول في معرض الكتاب .
يا عزيزتي ، أتفهم مرارة الحسرة والخذلان اللذان يخلفهما فقدان الأمل وانسلال الأحلام من بين أناملنا كالأثير . غصة ما بعد انتظار طويل عدنا بعده بخفي حنين .
رسائل مرسلة
وكسرة انطفاء لمعة العينين عندما تدرك أن عليك التخلي عن أوهامك وكفكفة دموعك لأن سعيك و انتظارك و نبل مشاعرك (لن يغير شيئًا)
تفكري معي يا صديقتي أن يحصل المرء على كل ما يبغاه، ولكن يقع في شرك الشر المخفي الكامن لنا في رغباتنا .
مسكين هو الإنسان يختبر بالصبر و التسليم لله في أمر لا يفقه في حكمته قدر أنملة.
رسائل مرسلة: حكمة خفية.
تلك الفتاة في المكتبة ربما ستنال كتابها ولكن في الوقت المناسب حيث تكون مستعدة لرفقته ، أو ربما لا تناله أبدًا لأن خبيث الأفكار ينتظرها فيه ليسقطها في بئر الندم على انتظاره و تكلفته -مع تحفظي على كينونة الكتاب- فالحب كتاب يعمينا غلافه ويسحرنا و لا يعلم توفيق تلك الزيجة غير الله .
والمال فتنة فإن حاذه الشخص ببزغ في وقت افتقار للنضج (كغلامي الجدار الذي أراد أن ينقد) ضيعه المرء على الملذات فأصبح حجة عليه أمام الله يوم القيامة .
و الطفل قصة مثيرة وحنونة تعيشها الأم ؛ لكن ربما ستنال مشقتها في ذلك الطفل المنتظر ، وربما تحوذه بعد جهد لإنها الآن تدرك قيمته و مؤهلة لتربيته، والكثير من الأمثلة من تدابير الله المحفوفة بلطفه الخفي .
رسائل مرسلة
لا يدري أحدنا ما أختباره لكن عليه التسليم أنه يسير في الدنيا بمعية الله تدركه و تنقذه من الأهوال .
أدرك كم أن الأمر صعب ،لكن بعدما تغضب و تحزن و تبكي ، هل ستكون قادر على تحسس فضل الله عليك وأنه أحن عليك من والديك ، وتدرك أنك كنت كنودًا جزوعًا تتسرع في الحكم .
عزيزتي آمن أرجو أن تلتقي بكل أحلامك في عفو و عافية وخير .
والسلام نهاية الكلام وليس كل كلام يختتم.. ربما لقاء قادم.
بقلم الكاتبة /آمنة محمد و الكاتبة/ سلمى مسعد
اقرأ قصة عيد الحب الدامي من هنا




.