حلم بنت
بقلم: صباح البغدادي
إلى تلك الفتاة التي تحلم رغم ضجيج العالم،
إلى التي تهرب من الواقع لا خوفًا، بل بحثًا عن معنى أن تكون حيّة.
إلى كل قلبٍ ما زال يؤمن أن الجمال لا يموت،
وأن المدينة الفاضلة تبدأ من فكرةٍ صغيرةٍ في روحٍ صادقة.
إليكِ يا ابنة الحلم، يا من جعلتِ من الخيال وطنًا لا يُحتل.
المشهد الأول: البيت الذهبي
كنت نائمة في بيتٍ يشبه قصور الأميرات، تضيء جدرانه الشموع كأنها نجومٌ تسكن الأرض. يهمس الهواء بأغنيةٍ لا يفهمها سوى من عاش في الخيال طويلًا. فوق رأسي تاجٌ من ضوء، يلمع كلّما ابتسمتُ في المنام، كأنه يعلن مولد ملكةٍ لا يعرفها أحد. في ذلك البيت، لم أكن أخاف شيئًا، كنتُ فقط أنا… نقية كما خُلقت.
المشهد الثاني: رحلة فوق الغيوم
بلمح البصر وجدتني أطير، أتنقل بين الغيوم بخفةٍ تشبه الأحلام الأولى. رأيت المدن تلمع كنجومٍ بعيدة، والبحار تمتد كمرآةٍ زرقاء تعكس وجهي المندهش. كم هو جميل أن ترى العالم من فوق، بعيدًا عن الضجيج، قريبًا من النور! هناك فهمتُ أن الحرية ليست مكانًا، بل شعورٌ يسكن القلب حين يؤمن أنه يستحق السماء.
المشهد الثالث: حب يكتمل حتى الموت
وبين الغيوم ظهر وجهه، ملامحه من الضوء وصوته من حنين. ابتسم لي كمن يعرفني منذ البدء، وقال: “لا شيء يفصل بيننا… حتى الموت ليس نهاية.” مدّ يده فمددتُ يدي، فشعّ حولنا نورٌ أبيض، كأن السماء باركت العهد. كان حبًّا لا يُكتب بالحبر، بل يُحفر في الروح. هناك أدركت أن من يحبّ صدقًا، يعيش مرتين: مرة في الحياة، ومرة في الخلود.
المشهد الرابع: المدينة المحرّرة
ثم تبدّل المشهد، فرأيت مدينةً تئنّ تحت القيود. الدخان يملأ السماء، وصوت الوجع يملأ الأرض. لكن مع أول خيط شمسٍ، ارتفعت صيحات الحرية. الأبواب انفتحت، والأعلام خفقت، والناس احتضنوا بعضهم كمن عاد للحياة بعد موتٍ طويل. كانت المدينة تبكي فرحًا، وأنا أبكي معها… فقد تحررت أرواحنا معًا.
المشهد الخامس: عالم الإنسانية
في تلك الأرض الجديدة، لم يعد هناك غنيٌّ أو فقير، قويٌّ أو ضعيف. صار الجميع بشرًا فقط، يجتمعون على الخير ويقتسمون الخبز والابتسامة. الأطفال يضحكون، والنساء يغنين، والرجال يغرسون الأشجار مكان البنادق. شعرتُ أن العالم عاد كما خُلِق أول مرة… بسيطًا، جميلًا، مليئًا بالحب.
المشهد السادس: سلام الطبيعة
الطيور تعزف سيمفونية السماء، والحيوانات تعيش في وئامٍ نادر. الذئب يسير بجانب الغزال بلا خوف، والأسماك ترقص في أعماق البحر بطمأنينة. كانت الطبيعة كلوحةٍ نُسيت فيها الحرب، وعاد الكون إلى نغمةٍ واحدةٍ اسمها السلام.
المشهد السابع: الاستيقاظ من الحلم
حين فتحت عينيّ، كان الصباح يبتسم لي من النافذة. لم يكن هناك تاج، ولا سحاب، ولا مدينة فاضلة… لكن في صدري كان كل ذلك حيًّا. لمست وجهي، فشعرت بحرارة الحلم ما زالت تسكنني. علمت أنني لم أستيقظ تمامًا، وأن ما رأيته ليس حلمًا عابرًا، بل رسالة من السماء.
المشهد الثامن: رسالة الحلم
كتبتُ في دفتري:
“الحلم لا يزورنا عبثًا، بل يأتي ليُذكّرنا بما نسيناه.
المدينة الفاضلة ليست مكانًا، بل قلبٌ يعرف كيف يحب.
والتاج ليس زينةً فوق الرأس، بل ضوءٌ يسكن الروح حين تؤمن بنفسها.”
المشهدالتاسع: صوت الحقيقة
وفي لحظة تأملٍ، سمعتُ همسًا داخليًا يشبه صوت الحلم يقول لي:
“احلمي دومًا، فالعالم لا يتغير إلا بأحلامٍ تولد في قلوبٍ جريئة.”
نظرتُ إلى السماء، فشعرت أن كل غيمةٍ هي فكرة، وكل طائرٍ هو أمل، وكل خفقة قلبٍ هي وعدٌ بالحياة.
تساءلت: لماذا نخاف من الحلم؟
أهو الخوف من الخيبة؟ أم من أن تتحقق أحلامنا فنفقد مبرر السعي؟
لكن قلبي أجابني ببساطة:
“الحلم لا يُخيف، الخوف هو أن نعيش بلا حلم.
المشهد العاشر: العودة إلى الذات
في تلك اللحظة فهمت أن المدينة الفاضلة لم تكن مدينة خارجية، بل كانت أنا.
كانت داخلي، تنتظر أن أكتشفها وأحرسها من غبار الأيام.
كل إنسانٍ يحمل مدينةً كهذه بداخله، لكنها تبهت حين ينسى نفسه وسط الزحام.
منذ تلك الليلة، صرت أرى الجمال في التفاصيل الصغيرة:
في ضحكة طفل، في نظرة أم، في يدٍ تمتد لمساعدة أخرى،
حتى في الألم، كنت أرى درسًا من نور.
لقد غيّر الحلم رؤيتي للعالم… وأعاد ترتيب قلبي.
المشهد الحادي عشر: نثرية داخل قلبي
يا حلمَ البنتِ حين ضاقت بها الأرضُ،
فصنعت للسماءِ طريقًا من أمنيات.
يا تاجًا من نورٍ فوق رأسِ البراءة،
يا بيتًا من خيالٍ يسكنُ القلبَ إن نمتِ.
رأيتِ العالمَ من فوقِ الغيوم،
فعرفتِ أن الحريةَ لا تُشترى، بل تُؤمن.
وحين أحببتِ، وُلد الخلود،
وصار الموتُ معنىً آخر للحياة.
استيقظتِ، لكنكِ لم تخرجي من الحلم،
لأنكِ كنتِ أنتِ الحلمَ ذاته،
المدينةَ الفاضلةَ التي لا تُحتل،
والبنتَ التي حين تحلم… تُنقذ العالم.
المشهد الأخير:بين حلمها وواقعها
فتدرك أن الحلم لم يكن هروبًا، بل عودةً إلى ذاتها النقيّة.
ومنذ تلك اللحظة، تصير رسالتها في الحياة أن تزرع النور في قلوب الآخرين، لتصنع من كل إنسانٍ مدينةً فاضلة صغيرة تنبض بالحب والإنسانيةومن تلك الليلة، لم تعد تخاف من الواقع ولا من الخسارات، فقد أيقنت أن القوة تولد من الإيمان، وأن أجمل الانتصارات تبدأ بحلمٍ بسيطٍ صدّقه صاحبه.
كانت كلما نظرت إلى السماء تتذكر مدينتها الفاضلة، وتهمس لنفسها: “ما دام في القلب نور، سيبقى العالم بخير.وهكذا صارت تمشي في الحياة بخطواتٍ مطمئنة، تحمل في عينيها بريق الحلم، وفي قلبها موسيقى الغيوم.
كانت تنشر السلام بالكلمة، وتوقظ الأمل في العيون التي أطفأها التعب.
وحين يسألها الناس عن سرّ سعادتها، تبتسم وتقول بهدوء:
“أنا لم أعد أنتظر المدينة الفاضلة… لقد صرتُ أنا المدينة.””.
