لُقانا فراق (قصة رومانسية 1)

تحكي القصة عن ليلى التي تواجه أصعب وداع في حياتها، حين يتركها صديقها الأقرب أدهم ويسافر بعيدًا. أدهم لم يكن مجرد صديق عابر، بل كان ملاذًا وضحكة صافية وسندًا حقيقيًا في كل سقوط. في لحظة الوداع بالمطار، يصبح الصمت بينهما أبلغ من الكلام، والوعود التي يتركها أدهم هي الشيء الوحيد الذي يمنح ليلى قوة للاستمرار.
تعود إلى بيتها لتجد كل زاوية مشبعة بذكرياته، وتحاول أن تتأقلم مع الغياب عبر رسائل لم تُرسل، وأحلام لا تموت، ودعاء صامت يتكرر كل ليلة. ومع مرور الشهور، يبقى وعد أدهم: "أنا راجع مهما طال الغياب" خيط الأمل الذي يربط قلبها بالحياة.

لُقانا فراق

 

كانت عقارب الساعة من الواحدة حتى الرابعة بطيئة، كأنها بتمتحن قدرتي على الاستيعاب. كل دقيقة بتمرّ، كنت أحاول أستوعب خبر سفره… لكن عقلي رافض، وقلبي رافض أكتر.

ولما دقت العاشرة، الصوت المجرّد للمذيعة بقا طاغي، بيملأ أركان المطار: رقم الرحلة… نفس الرحلة اللي هتخطفه منّي وتسيبني أواجه فراغ كبير.

 

أدهم… مش شخص عابر في حياتي.

هو اللي دخل صدفة، وبقى أقرب من كل القريبين. هو الضحكة اللي بتطلع من القلب من غير مجهود، هو السند وقت العجز، هو الكتف اللي يطبطب حتى من غير كلام.

ومع ذلك… النهاردة بيبعد. النهاردة مختلف. النهاردة أنا محتاجة أتعلم إزاي أعيش من غيره.

 

المكان حواليا مليان دوشة: شنط بتتسحب، أطفال بتعيّط، أمهات بتوصّي، رجال بتضحك، لكن أنا كنت واقفة في عزّ الزحمة دي، محبوسة في فقاعة مابين خوف وحنين.

 

سكتنا كان أبلغ من أي كلام.

العيون بتتكلم، ولساني بيتخنق، عايزة أقول كتير… بس البداية مش لاقياها.

مشهد ميعاد لقاءنا

أدهم قرب بخطوة صغيرة، ابتسم ابتسامة باهتة، وقال بهدوء يخترقني:

– “متخافيش يا ليلى… هتفضلي أختي وصديقتي مهما طال العمر. وراجعلِك… مهما بعدت السنين.”

 

أنا (بحنجرة مخنوقة):

– “بس أنا مش عايزة تبقى أخ، ولا مجرد صديق… أنا مش متخيّلة أضحك من غير وجودك، مش متخيّلة حتى نفسي من غير تعليقك اللي كان بيكملني.”

 

أدهم (يتنهد ويحاول يخفي رعشة صوته):

– “اللي ضحّكك قبل كده هيفضل جواكي، واللي بنيناه مش هيوقعه بعد. انتي أقوى من الغياب، وأنا… أنا عمرى ما رجعت في وعد قطعته.”

مشهد لحظة الفراق

اللحظة كانت بطيئة لدرجة مؤلمة.

أنا حسيت إن الزمن متوقف عند النظرة الأخيرة.

عيوني بتترجاه يغيّر قراره، ودموعي بتنزل بهدوء من غير ما أقدر أخبي.

 

ليلى:

– “يعني خلاص؟ كده انتهت الحكاية اللي ابتدت بسرعة؟”

 

أدهم يهز راسه بابتسامة موجوعة:

– “الحكاية لسه في نصها، بس الجزء الجاي محتاج صبر… وصبرك ده هيبقى دليل حبك.”

 

جملة المذيعة وقعت علينا زي سكين:

– “الرحلة رقم … إلى … برجاء التوجه فورًا إلى بوابة السفر.”

 

هو حاول يبص بعيد، كأنه لو ركّز ثانية في عينيّ مش هيقدر يمشي.

شد شنطته بخطوة مترددة، ووقف تاني قدامي:

– “خلي بالك من نفسك، ولو في يوم حسيتِ إن الدنيا قفلت، افتكري إن في حد وعدك إنه هيرجع.”

مشهد الأخير

ليلى (بصوت مكسور):

– “روح بخير… وارجع بخير.”

 

أدهم ابتسم، ورفع إيده بعلامة وداع:

– “وإنتي استنيني بخير… أنا راجع، مهما طال الغياب.”

 

مشي، وكل خطوة بياخدها بعيد كانت زي سهم بيتغرز في روحي.

فضلت واقفة مكاني، دموعي بتنزل… بس الغريب إن ابتسامة صغيرة طلعت غصب عني.

لأن وعده… كان كافي يخليني أصدق إن الحكاية ما خلصتش، وإن اللقا جاية مهما طال الانتظار.

رجعت من المطار بخطوات تقيلة، كأن الأرض بترفض تشيلني. كل عربية ماشية جمبي حسيت إنها واخدة معاها جزء منّي.

وصلت البيت… لكن البيت ما بقاش بيت.

الباب فتحته بإيد مرتعشة، ريحة المكان زي ما هي، بس ناقصة… ناقصة ريحته، ضحكته، حتى صوت تعليقاته اللي دايمًا بتسبقني في أي موضوع.

مشهد بعد الفراق

دخلت الأوضة، قعدت على السرير. حاولت أهدّى، لكن عيني وقعت على الكرسي اللي كان بيقعد عليه… اتخيلته موجود، سايب شنطته على جنب، بيضحك وهو يقول:

– “إنتي ليه دايمًا بتتوترى من غير سبب يا ليلى؟”

 

ابتسمت رغم دموعي، كأنّي فعلاً سامعة صوته.

مديت إيدي ألمس الفراغ… لقيت نفسي بلمس الهوا.

 

الذكريات بقت بتقفز قدامي من غير إذن:

ضحكته يوم ما كنا في الكافيه واتخانقنا على مين هيحاسب.

كلامه الجاد اللي كان بيخليني أراجع نفسي.

حتى سكوتنا… سكوتنا اللي كان أغنى من ألف كلمة.

 

وقتها الأغنية اللي سمعتها في المطار رجعت تشتغل جوا دماغي، نفس الكلمة اللي جرحتني:

“لو كان بعدك شيء متقدر خدني معاك…”

 

مسكت تليفوني، قلبت في الصور. كل صورة بتضحكني وتوجعني في نفس اللحظة.

كتبتله رسالة، بس ما بعتهاش:

“أنا مش عارفة أستنى ولا لأ… بس وعدك لسه مسنود جوا قلبي.”

 

وقفت قدام الشباك، وبصيت للسماء. حسيت إن النجوم شايلة حكايتنا، وإن الهوا اللي بيلفّ من بلد لبلد ممكن يكون بيوصل له دعائي.

قلت في سرّي:

– “يا رب، رجّعه بخير… وخلّي وعده ليا ما ينكسرش.”

مشهد الدعوات

وبين دمعة بتنزل وضحكة صغيرة بتتسرّب غصب عني… غفوت، وأنا ماسكة موبايله وكأني ماسكة إيده.

نمت على أمل… إن الغياب مش هيكون إلا فصل صغير في روايتنا الطويلة.

مضت الشهور… وكل يوم فيهم كان نسخة متشابهة، بس محمّلة بفراغ أكبر.

كنت بصحى على نفس الوجع، وأغفى على نفس الدعاء: “يا رب رجّعه بخير.”

 

أيامي بقت متقسّمة بين شغل، وناس، وحياة شكلها طبيعي… لكن جوه قلبي كان فيه مسرح فاضي، الممثل الرئيسي غايب عنه.

 

كنت بتمشى أحيانًا في الشوارع اللي كان بيحبها. نفس الكافيه اللي ضحكنا فيه، نفس الكورنيش اللي مشينا عليه. كل ركن له بصمة منه، بصمة مش قادرة أمسحها حتى لو حاولت.

 

في كل مناسبة صغيرة… كنت أتمنى صوته يرن في ودني:

– “إيه ده! إنتي نسيتي تعزميني؟”

كنت أضحك لنفسي وأردّ في سري:

– “لا يا أدهم… أنا ما نسيتش. إنت اللي غايب.”

 

رسائلي ليه على الموبايل بقت شبه دفتر يوميات. أكتبله عن يومي، عن ضحكي، عن دموعي.

وأوقات أبعت الرسالة، وأوقات أسيبها معلّقة من غير إرسال… كأني محتاجة الكلام يفضل بيني وبينه حتى لو ما وصلش.

النهاية

الليل كان أصعب الأوقات.

أول ما الدنيا تسكت، صوت غيابه يعلى.

كنت أقعد أبص للسماء، وأتخيله واقف في بلد بعيد، يمكن بيبص على نفس القمر. أقول لنفسي:

– “يمكن هو كمان دلوقتي بيفكر فيا.”

 

وفي لحظة ضعف، سألت نفسي: هو يا ترى الوعود بتعيش؟ ولا الزمن بيأكلها زي ما بيأكل كل حاجة؟

لكن كل مرة السؤال ده ييجي، كنت أرجع أفتكر آخر ابتسامة منه… آخر كلمة:

“أنا راجع، مهما طال الغياب.”

 

الوعد ده بقى زي خيط رفيع، ماسكني من الوقوع.

  1. ولو مش موجود جسدًا… كلماته موجودة جوايا، عايشة في تفاصيل يومي، بتخلي الانتظار مش جريمة… بل نوع من الحب.

    للمزيد من القصص والمقالات المميزة ✨
    تابعونا على
    عوالم من الخيال



    تابعونا على فيسبوك

 

#صبا

#سكريبت

#لقانا_فراق

 

 

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *