حبيبي من عالم آخر

بقلم صباح البغدادي
المشهد الأول: الظهور الغريب
كنت قاعدة ف أمان الله، الوشاح اللي فوق رجليا بيتحرّك لوحده، والجو ولا فيه نسمة هوا سكتت لحظة، وبعدين فجأة، ظهر قدامي شخص كده من العدم!
أنا عشان دايمًا بقول على نفسي “اندبندنت”، قلت مش هتحرك، ولا هزعق، ولا هتهز حتى رمشي…
ثانيتين بالظبط، ولقيت نفسي بجري
يعني لا اندبندنت ولا ثبات، أنا أصلاً بخاف من خيالي، مش من واحد طالعلي من الهوا!
وأنا بحاول أستوعب اللي حصل، لقيته بينده عليّا بصوت غريب
“سالي يا سالي…”
الاسم طلع من بُقه بهدوء، بس دخل قلبي كأنه همسة ساكنة بين ضلوعي.
وقفت مكاني متجمدة، قلبي بيخبط ف صدري كأنه عايز يهرب قبلي.
قلت يمكن بحلم، يمكن ده خيالي اللي اتجنن خلاص!
بس لما قرب أكتر… حسيت بنفَس هوا سخن لمس وشي.
هوا غريب كأنه بيلمّسني من جوّا.
المشهد الثاني الصدمة
وفجأة الباب خبط!
صوت الخبطة رجّعني للدنيا، جريت على الباب بسرعة.
فتحت… لقيت “وفاء” صاحبتي واقفة، ماسكة كيس عصير وبتبصلي بصدمة.
– مالك يا سالي؟ وشك مخطوف كده ليه؟
اتلعثمت، ولساني مش قادر ينطق. كنت لسه هشاورلها على المكان اللي شُفته فيه…
بس لما بصيت مفيش حد اختفى!
حتى ريحة الهوا اللي كانت حواليه اختفت.
وفاء قربت مني بخوف
– هو إيه؟ كنتِ بتكلمي مين؟
نظرتي كانت على نفس النقطة اللي كنت شايفاه فيها، بس دلوقتي فاضية
بس قلبي لسه حاسس إن فيه حد واقف هناك، بيبص بيراقب
المشهد الثالث الظل اللي بيراقب
من بعد ما وفاء مشيت، وأنا حاسة إن البيت مش زي قبل كده
كل ركن فيه بيبصلي، الحيطان بقت ليها نفس، والمراية اللي ف الصالة بقت أكتر حاجة بخاف منها.
كنت كل ما أعدي قدامها، أشوف حاجة بتتحرك ورايا…
وفي يوم وأنا معدية، لقيت ظل راجل واقف ورايا ف المراية، واضح جدًا،
بس لما اتلفت مفيش حد!
قلبي وقع من الخضة، حسيت بدوخة خفيفة،
ولقيت نفسي بقول بصوت عالي:
لو أنت اللي كنت هنا أبعد عني!
ساعتها، النور نور في وشى ف لحظة،
ولما النور رجع…
اتكتبت كلمة على المراية ببخار الهوا:
“أنا مش هأذيكِ يا سالي.
المشهد الرابع : أول حوار
الليل دخل، والهدوء كان قاتل…
كنت قاعدة على الكنبة، والأنوار كلها مطفية إلا لمبة صغيرة جنب الشباك.
سمعت الصوت تاني، نفس الصوت اللي نده اسمي قبل كده.
“سالي…”
صوته كان ناعم بطريقة تخوف، كأنه جاي من جوّا قلبي مش من برّه.
قلتله بخوف:
– إنت مين؟
ردّ عليا، بس المرة دي شفته نفس الشخص اللي شُفته أول مرة،
وشه ملامحه مش بشرية قوي فيها نور غريب بيطلع من عينه، وصوته فيه صدى كأنه بيكلم من بُعد تاني.
قال بهدوء:
– أنا مش من عالمك بس شوفتك قبل كده…
– شوفتني؟ فين؟
– في الحلم اللي كنتي فاكرة إنه حلم.
المشهد الخامس الحلم اللي رجع
فضلت سهرانة طول الليل، وبالليل ده حلمت حلم غريب،
كنت ف مكان كله نور، وهو واقف بعيد،
قرب مني
– انتي ناديتيني من غير ما تعرفي، وده اللي خلاني أظهر.
رديت عليه بأستغراب.!
– ناديتك إزاي؟
– لما قلتي “يا رب نفسي حد يفهمني”، كنتي بتكلمي الكون… وأنا سمعِتِك.
صحيِت وأنا دموعي على خدي…
الخوف مشي، بس مكانه جت راحة غريبة… كأن قلبي عرفه من زمان.
المشهد السادس لقاء منتصف الليل
كانت الساعة تعدّت نص الليل، البيت ساكت تمامًا، حتى صوت السكون بقى يخوف.
وفجأة، الهوى برد، والستارة اتحركت كأن حد عدى من وراها.
وقبل ما ألحق أصرّخ، سمعته نفس الصوت، بس المرة دي أقرب من أي مرة قبل كده.
سالي…”
نطقت اسمي كأنه نَفَس، ولما التفت، كان واقف قدامي بكل وضوح نفس العيون اللي فيها لمعة مش بشرية، ونفس الهالة اللي حواليه.
بس المرة دي، كنت جاهزة له.
قلت له وأنا رافعة حاجبي:
– يا عم ما تخضّنيش كده كل مرة، قلب البني آدم مش حديد!
ضحك وبص لي
– شكلك اتعودتي عليا بقى؟
بصيت له وأنا عاملة فيها شجاعة:
– اتعودت؟ لأ بس ماعادش عندي طاقة أصرّخ.
قعد على الكرسي المقابل ليّ كأنه إنسان طبيعي جدًا
– خير يا سالي ناديتيني ليه المرة دي؟
قلتله وأنا متحمسة كأني داخلة أطلب طلبات من جني المصباح:
– عندي كذا طلب كده بسيط!
– بسيط؟! طب يالا نشوف يا أم الطلبات.
قلتله بسرعة وأنا بعدّ بإيديا:
– أول حاجة، تطفّش العريس اللي متقدملّي، أنا مش طايقة ريحته ولا طريقته في الكلام.
– تاني حاجة، وفاء صحبتي تبطل أكل شوية، فلوسي كلها بتخلص ع الأكل اللي بتطلبه لما تيجي عندي!
بصلي وهو مش مصدّق وبزهول
– ده انتي قلبك أسود يا بت
ضحكت وقلتله:
– لا والله أنا طيبة، بس الحياة علمتني أطالب بحقي!
هو قرب مني بخطوة وقال بنظرة فيها سخرية:
– مالك يا سالي؟ أنا جاي أحقق أحلامك يا بت، ولا بقيتي جريئة كده ليه؟
اللي يشوفك دلوقتي، ميصدقش إنك كنتي بتتنطّطي لما ظهرتلك أول مرة!
قلتله وأنا عاملة فيها بريئة جدًا:
– ده انت القلب والباقي كله كلاوي ماتحن ياجن هو أنت اسمك اي صح؟!
بصلي بصدمة وقال وهو ماسك راسه:
– ياختي عليا! نسيتِ اسمي كمان يا مصلحنجيّة؟
ضحكت بخبث وقلتله وأنا ميلة ناحيته شوية:
– هو اسمك كان إيه بقى؟ أصل الاندهاش خضني ف أول لقاء
قالها بنبرة فيها قرف ودلع:
– اه ياختي، ماانتي همّك بس أحققلك جنونك مش مهم أنا مين، المهم تطفّشيله العريس وتقللي مصروف وفاء!
فضلنا نبص لبعض لحظة، بين الضحك والخوف،
وفي الجو كان فيه شرارة غريبة مش مفهومة، لا هي حب ولا كراهية،
لكن فيها حاجة مش بشرية
المشهد السابع: العريس اللي اختفى
تاني يوم الصبح، صحيت على تليفون ماما وهي بتزعقلي من الأوضة التانية:
– سالي، العريس جاي النهارده العصر، قومي شوفي نفسك بدل ما يفتكرنا ناس مش نظاف!
قلت في سري وأنا نايمه على السرير:
– يا ريت يفتكرنا كده ويرجع!
قمت غصب عني، ولسه بدوّر على الشراب، لقيت صوت خفيف بيهمس ورايا:
– صباح الجن يا سالي
اتخضّيت، بس قلت له وأنا بتصنّع الثبات:
– نُوراس! يا عم انت بتدخل من غير استئذان؟
ضحك وقاللي وهو بيتمطّى كأنه جاي من عالم السهر:
– أنا جني يا بنتي مش مندوب مبيعات، هدخل منين يعني من باب الشقة؟
قعد على الكرسي وقال بجدية تمثيلية:
– العريس اللي مش طايقاه ده، اسمه إيه؟
قلت وأنا بحاول أفتكر:
– اسمه معتز بس بيني وبينك أنا بسميه “معتز بالعياط”، كل ما أتكلم معاه يقولي أنا حساس ومش بحب الصوت العالي
نُوراس هزّ راسه بخبث:
– طيب عايزاني أعمل إيه فيه بالظبط؟ أتحوّل له كابوس؟ أخلّيه يزهق؟ أدوّخ دماغه؟
قلتله وأنا متحمسة جدًا:
– كلهم مع بعض! أهم حاجة يطفش لوحده وماما تقتنع إنه مش مناسب
رفع حاجبه وقال وهو بيضحك:
– ماشي يا مصلحنجيّة… بس بعد كده متلومينيش لو طار ومارجعش!
– يا عم يطير مع الحمام، مش ناقصاه
وفعلاً… بعد كام ساعة، الباب خبط، وماما دخلت عليه مبسوطة:
– سالي يا بنتي، معتز جه.
نزلت وأنا عاملة فيها روقان، أول ما شُفته كان قاعد عادي جدًا،
بس بعد دقيقتين وشه قلب لون تاني!
بدأ يهرش في دماغه ويضحك فجأة، وبعدين يقول لماما:
– حضرتك سمعتِ الصوت اللي بيغني جوه الدولاب؟
ماما بصتلي بخضة، وأنا قلبي بيضحك جوايا
وبعدين معتز قام فجأة وقال:
– أنا آسف يا طنط، بس أنا لازم أمشي البيت ده فيه طاقة غريبة وجري فعلاً!
رجعت الأوضة بسرعة، ولقيت نُوراس واقف عند الشباك مبتسم ابتسامة نصر.
قلتله وأنا ماسكة ضحكتي:
– يا مجنون، عملت إيه فيه؟
قال بثقة مريبة:
– ولا حاجة يا سالي بس خليا الدولاب يسعل بصوت عبد الباسط
وقعنا من الضحك سوا،
وبعدين قال وهو بيبصلي بنظرة دافية فيها لمعة غريبة:
– شفتي؟ قلتلك أنا جاي أحقق أحلامك يا بنت الناس، بس شكلك هتودّيني في داهية منك.
قلتله وأنا بضحك وبلمّ شعري:
– وأهو على الأقل داهية دمها خفيف
المشهد الثامن: وفاء والريجيم المستحيل
بعد ما نُوراس خلّص مهمته البطولية مع معتز وخلّى العريس يطفش من غير حتى ما يشرب عصير،
قررت أطلب منه الطلب التاني اللي كنت مأجلّاه طلب وفاء.
وفاء دي بقى مشكلة قومية، كل ما تيجي عندي “تسالي خفيفة” تبقى عزومة رمضان.
تفتح التلاجة كأنها بتفتّش عن الكنز،
وتخلصلي المرتب قبل نص الشهر
ففي يوم قعدت على الكنبة وناديت نُوراس وأنا بضحك:
– يا جنّي الجميل، يا حبيب البنات، تعالى حققلي حلم جديد!
ظهرلي فجأة وهو بيشرب من فنجان قهوة مش عارفة جابه منين وقال:
– قوليلك يا بت حلم إيه المرة دي؟
قلت له بحماس وسقفت بأيدي
– عايزة وفاء تبطل أكل شوية، يعني تاكل لقمة وتتخنق منها كده، حاجة بسيطة!
ضحك وقال لي
– ده مش حلم يا سالي، دي حرب
مد إيده في الهوا، وقال شوية كلمات مش مفهومة كأنها سحر خفيف،
وبعدها اختفى كالمعتاد.
تاني يوم، وفاء جت عندي كالعادة، أول ما فتحت الباب كانت شايلة كيسين أكل كبار.
قلت في سري: “شكل السحر فشل.”
بس أول ما بدأت تاكل وقفت فجأة وقالت:
– سالي، الأكل طعمه غريب!
– ليه؟ مش عاجبك؟
– لأ يا بنتي كأني بأكل ورق كُشري محروق!
قعدت أضحك لدرجة الدموع، وهي مستغربة ومش فاهمة.
ومن يومها، وفاء كل ما تمسك أكل، تسمع في ودنها صوت بيقولها:
“كفاية يا وفاء… الميزان بيعيّط!”
وبكده نُوراس أثبت إنه جني محترف من الطراز الأول!
وفي آخر الليلة، وأنا قاعدة لوحدي ف البلكونة،
ظهرلي نُوراس تاني، المرة دي بهدوء مش متعوداه.
قاللي بصوت شبه همس:
– سالي، عارفة إننا ماينفعش نكمل كده؟
بصيت له بخوف وقلت:
– ليه؟
ابتسم وقال:
– لأن كل أمنية ليها تمن… ولسه تمنك ما اتدفعش.
وقف واختفى في الهوى كأنه دخان دافي،
وسابني ببص ف الفضا…
بابتسامة فيها خوف وفي قلبي سؤال مش لاقيله جواب:
هو فعلاً نُوراس كان جني؟ ولا كان أمنية من عالم تاني حققتلي نفسها؟!
أقرا قصة التريند البلوجر والشيخ من هنا



مجنونة