الفصل الثاني

وعِندَ سطوع الصَباح الباكِر، صوت دقات الباب واحدة تِلو الآخرىٰ يعلو وبِشدة، سقطت مَلك عن الاريكة وهيَ نائمه مِن ثمَّ أستيقظت بتألُم شديد وهيَ تتحسس ظهرها بينما تتمتم قائِلة بغيظ:-

 

_أه يا ضهري، يابا يانا ياما.

 

نهضت عن الارض بينما ذهبت إلىٰ باب المنزِل وقامت بِفتحهُ، ظهرَ مِن ورائهُ المُهَندِس كريم، نظرت لهُ مَلك بوجه خالي مِن التعابير وأردفت قائِلة:-

 

_خير، مين.

 

تمتمَ كريم قائِلًا بخفوت:-

 

_أنفُخ البلالين.

 

رفعت مَلك حاجبيها وهيَ تعقِد كلتا يديها قائِلة:-

 

_افندم!.

 

حمحم بإحراج، بينما عاد يُردف قائِلًا بجدية:-

 

_أنا المُهندِس كَريم ساكِن في الشقه إللي قصادكُم كُنت عاوِز أتكلِم معاكِ شويه.

 

نظرت مَلك لهيئتهُ تِلك مِن ثمَّ تذكرت ما يحدُث معها فَـ أعتقدتهُ شبحًا، بينما أردفت قائِلة بجمود:-

 

_بعتذر بس محدش بيدخل علشان أحنا بنات بس، بعد إذنك.

 

وأغلقت الباب في وجههِ دونَ أن تستمع لباقي حديثهُ، بينما هوَ ظلّ ينظُر في أثرِها بصدمة وهو يشير علىٰ نفسهُ قائِلًا:-

 

_يا غباء، دي قفلت في وشي، طب ماشي خلي إللي جوا يلعبوا معاكم بقىٰ.

 

وعاد إلىٰ منزلهُ وأغلقَ الباب، وقد عَزِمَ بداخِله علىٰ العودة مُجددًا ومُحاولة إخبارها بما ينتظرهم.

••••••

بينما عِندَ مَلك وجدت الفتيات جالسين علىٰ طاولة الطعام يتناولون إفطارهم، ذهبت تِجاههم وجلست معهم بينما أردفت قائِلة بضيق:-

 

_مصحيتونيش ليه!.

 

أردفت مَنار بلامبالاه قائِلة وهيَ تقوم بإلتقاط الخُبز:-

 

_لقيناكِ مخموده قُولنا منجيش جَنبك، خُوفنا بصراحة تدي واحدة فينا بوكس ولا تعوري حد، ريم جت تصحيكِ قولتلها دي محدش بيصحيها دي بتصحىٰ لوحدها.

 

نظرت لها مَلك بينما أردفت قائِلة بسُخرية:-

 

_فكريني يا مَنار لما ترجعوا ليكِ عندي تمرينه حكايه، هتمرن عليكِ الليله دي، ودا علشان تتأدبي وأنتِ بتكلميني بعد كده.

 

نظرت لها مَنار برُعب فَفي أخر مرة قد جُزِعَت قدماها تُرىٰ ما الذي سيحدُث بها الليله، بينما أردفت مَريم قائِلة بدهشة:-

 

_لما نرجع، وأنتِ هتروحي فين! مش هنروح الكُليه سوا!.

 

أردفت مَلك قائِلة بنفي:-

 

_لا أنا معنديش مُحاضرات إنهارده، وعاوزه أرتاح شويه هنضف البيت وأنزل أتفق مع البواب علىٰ الإيجار وأشوف العقد وبعدها هحضر الغدا وأستناكُم.

 

أنهت حديثها ببسمة يختبئ ورائها الكثير والكثير مِن الغموض، لأنها ستفعل شيء آخر ولا تود أخبارهم بهِ، بينما اماءت مَريم وهيَ تنظُر لها بجمود مما أدهشتها وبِشدة مِن تحولها المُفاجئ، وهذا لأن الصداقه بينَ مَلك ومَريم ليست قويه بلّ همْ يعرفونها مِن خلال الدراسه ولَكِن ريم ومَنار همْ أصدقاء مَلك مُنذ عِدة سنوات كثيرة، أنتهوا من تناول الطعام بينما نهضت مَنار وهيَ تذهب تِجاه مَلك وقامت بتقبيلها علىٰ وجنتيها وهيَ تردف قائِلة بهدوء:-

 

_خَلي بالك مِن نَفسك يا حبيبتي هنرجع علىٰ طول ومتقعديش لوحدك أنزلي تحت اتمشي شويه أو شوفي فيلم.

 

اوماءت لها مَلك بالإيجاب بينما ذهبوا جميعهم إلىٰ باب المنزل وخرجَ كُلًا مِن ريم ومَنار، وتقِف مَريم أمام الباب وهيَ تنظُر لِملك وعيناها عادت للإتساع ويسودهم اللون الاسود القاتِم مُجددًا، أردفت مَلك قائِلة بِشك:-

 

_مَريم أنتِ بخير!.

 

أردفت مَريم وهيَ تنظُر لها وعلىٰ وجههِا ابتسامه مُتسعه قائِلة:-

 

_أيوه يا مَلك أنا بخير، وأنتِ كمان هتكوني بخير كمان نُص ساعه كِده.

 

وقامت بإغلاق الباب، تنفست مَلك بعُمق شديد، فَهي تشُك في أمرِها وبِشدة، ولَكِنها لمّ تكترِث كثيرًا، وعادت للذهاب إلىٰ المِرحاض حتىٰ تقوم بِغسل يداها، ولَكِنها وجدت هذهِ العبارة المَلعونه مَرةً آخرىٰ، تمتمت مَلك بحقن:-

 

_ما خلاص نُص ساعه نُص ساعه، هو أي إللي هيحصل يعني لما يعدي نص ساعه.

 

وذهبت إلىٰ الخارِج، علىٰ الفور كانت تقِف امام النافِذه ظلّت تنظُر إلىٰ الاسفل وقد شردت فيما يحدُث مُنذ أول ليلة لها هيَ فقط ولا تعلم ماذا سيحدُث بعدَ قليل، سَمِعت صوت همسات يأتي مِن جانِبها، نظرت حولها حتىٰ وقعت عيناها عليهِ يقِف أمامها ولَكِن مِن النافِذة، تمتم قائِلًا بخفوت:-

 

_أسمعيني أنا مِش بعاكس واللهِ، بس إللي هحكيه خطير جدًا ولازم تعرفيه عن البيت إللي أنتِ فيه دا، أصل عم سيد البواب مش هيقولك ولا هيحذرك هو عاوز يطلع بمصلحه وخلاص.

 

اوماءت لهُ مَلك بمعنىٰ أن يأتي، نظرَ لها بسعادة بينما لمّ تمُر عدة دقائِق حتىٰ وجدت من يدُق باب المنزل، ذهبت إليهِ وقامت بفتحهِ ولَكِن قبل أن يدلِف قد أردفت قائِلة بحمود:-

 

_لو حاولت تقل بأصلك وتعمل حركة من أياهم، هخليك همبرجر لحم بشري، ومش هتفرق معايا، إن كُنت مهندس ولا سباك.

 

أردفَ كريم بمرح:-

 

_متقلقش يا مَعلِم أنا أمان والله.

 

بينما دلف إلىٰ الداخِل وجلسَ علىٰ المقعد وبدأ بالتحدُث مردفًا بهدوء.

 

_البيت دا من وقت ما جيت من ست سنين وهو مقفول كُل ما حد يجي علشان يسكنه من أول يوم بيطفش، فيه بيقولك بيسمع صوت صريخ أطفال، وفيه بيقولك بيشوف دم في الحَمام كتير، وفيه بيقولك بيحس بحد معاه في البيت،ومن ست شهور فيه واحد مِن ساكني البيت دا أتقتل في الحَمام والقضيه ضدد مجهول لحد دلوقتي، ولِذَلِك كان البواب ديمًا يطلع الناس دي كلها مجانين وهو إللي صادق رغم الساكِن إللي مات لَكِن الحقيقه أنه راجل ضلالي أصلًا هيديكِ الشقه بضعف تمنها، تمنها للمالِك، والباقي ليه يعني بيطلع بمصلحه منكم، بُصي يا بنت الناس أنا بحذرك البيت دا مَلعون، ومَحدِش عارف إيه اللي جواه علشان يكون كِده بس إللي أنا سمِعته زمان من أهل المنطقه إن فيه جريمة قتل حصلت هِنا ولَكِن الجُثث إللي هُما أهل البيت من خمسه وعشرين سنه مفقودين ومحدش لاقيهم نهائي، من وقتها وهُما بيقولوا أن أرواحهم بتيجي في البيت كل يوم علشان طبعًا أكيد مش مرتاحين، فَـ نصيحتي ليكِ أنتِ وإللي معاكِ أنكم تمشوا من هِنا.

 

تنهدت مَلك بعُمق بعدما سَمِعت حديثهُ بأكملهِ، بينما أردفت قائِلة بهدوء:-

 

_طب أنا سمعتك للأخر، انا دلوقتي عاوزه تيجي معايا الاوضه.

 

رفع كريم حاجبيه، بينما أردف قائِلًا:-

 

_نعم يا عنيا! أجي معاكِ فين لا كُله إلا الشَرف دا أغلىٰ ما يملكهُ الراجِل.

 

نظرت لهُ مَلك ببلاهه، بينما أردفت قائِلة بغيظ:-

 

_نعم! أتنيل هعمل بيك إيه، دا كفايه إنك مُهندِس.

 

مرر كريم يديه علىٰ خُصلات شعرهُ بينما أردف قائِلًا بريبة:-

 

_حاسسها شتيمه، بس ماشي هنعمل إيه.

 

أخبرتهُ مَلك قائِلة:-

 

_فيه حاجه شوفتها ولازم تشوفها يمكِن دا حل لـ لُغز البيت دا.

 

_تمام يالا بينا.

•••••••

أخذت مَلك تتسلل لِداخِل الغُرفة وهيَ تضع يداها أمام وجهها تحسُبًا لأي شيء، بينما ينظُر لها كريم ببلاهه مما تفعلهُ، بينما أردف قائِلًا:-

 

_ست چون سينا، بتعملي إيه يا فنانه!.

 

لمّ تنظُر لهُ حيثُ كانت كلتا عيناها تدوران في جميع أنحاء الغُؤفة بينما تمتمت قائِلة بهمس:-

 

_هُس، أسكُت أكيد هُما سامعين بنقول إيه.

 

أردف قائِلًا بهمس مُماثِل لها:-

 

_ مِش مَعقول، هُما مين.

 

_العفاريت.

 

تحسس كريم وجههُ وهو يحاوِل تمالُك غضبهُ مِن هذهِ المعتوهه التي قد وقعت بطريقهُ، بينما قامت مَلك بإزاحة الفِراش حتىٰ ظهرَ مِن ورائهُ هذهِ الحُفره، نظرَ لها كريم بدهشه، بينما أردفَ قائِلًا:-

 

_مِش معقول، أزاي مش حاطين سيراميك في الحته دي.

 

تمالكت مَلك أعصابها، فَهو يُشبِه صديقتها مَنار، ولَكِنهم يتشابهان في الغباء المُماثِل، بينما تمتمت قائِلة ببرود وهيَ تُعطيه أحد الجواريف الموجودة بالغُرفة:-

 

_وطي وأحفُر.

 

ضرب يديهِ بصدرهِ وهو يردف قائِلًا بتأثُر مُصتنع:-

 

_أهدي يفنانه، هتدفنيني؟ دا أخرتها دا أحنا عِشرة ساعة ونص!.

 

جزّت مَلك علىٰ أسنانِها، لولهةً يظُن أنهُ قد أستمَع لهما وهمْ يكادان أن يتحطما، بينما تمتمت قائِلة:-

 

_لو محفرتش معايا أنا هقتِلك حقيقة، أتقي شَري أحسَن.

 

قالت أخر كلِماتِها بغضب، بينما التقط الجاروف الخاص بالحفر مِنها علىٰ الفور، وبدأ بالحفر، مرْ الكثير مِن الوقت وهما الإثنان يقومان بالحفر حتىٰ وضع كريم يديه علىٰ شيئًا ما وهو يهتف بسعادة:-

 

_كِنز، كِنز، كريم هيكون غني.

 

نظرت مَلك لما بينَ يديهِ ببلاهه بينما أردفت قائِلة:-

 

_جمجمه!.

 

أردف كريم قائِلًا بنفي:-

 

_جمجمة أي؟ بقولك شكلها علبة مدوره وهيكون جواها دهب ومجوهرات وياقوت ومُرجان.

 

أكملت مَلك حديثهُ قائِلة بسُخرية:-

 

_ومُحمد عَلي والمماليك، هيَ مغارة عَلي بابا!، بقولك جُمجمه أنتَ ماسِك في إيدك جُمجمه حتىٰ بُص ليها.

 

نظرَ لها كَريم بغباء بينما عاد بنظرهِ إلىٰ ما يحملهُ بينَ يديهِ، وأتسعت عيناها وبِشده عِندما وجدها جُمجمه، تركها علىٰ الفور ونهضَ وهو يركض بداخِل الغُرفة ويردف قائِلًا بصوتٍ عالٍ:-

 

_يالهوي، يخرابي، جُمجمه يا كريم، أنا كان إيه خلاني أحفُر، حفرت، حفرت، وطلعت ليا جُمجمه وكمان شعرها أحمر ناقِص إيه تاني.

 

تقِف وهيَ تنظُر لهُ بجمود عاقِده كلتا يداها بينما أردفت:-

 

_خَلصت!، تعالَ نشوف بقىٰ مين دي.

 

شدّ كريم خُصلات شعرهُ برفق بينما أردف قائِلًا بصوتٍ عالٍ:-

 

_حاسس إنك بتقوليلي تعالَ نشوف دي جت عندنا ليه، دي جُمجمه بقولك، يعني ميته، يعني بالفُصحىٰ هُناك جريمة قَتل يا سيدتي هقولهالك بكُل لُغات العَالم.

 

أردفت مَلك قائِلة بسُخرية:-

 

_ومُمكِن يكونو جريمتين عادي وبصراحة أنا نِفسي أعمِل كِدة، لو متهدتش كِده وسكِت.

 

كانت مَلك بداخِلها تموتُ رُعبًا مِما تراهُ ولكِنها لا تُحب إظهار هذا أمام أحد، تجرأت علىٰ نَفسِها وأقتربت مِن الحُفرة وظلّت تحفُر بينما هوَ يقِف وينظُر لها بصمت، حتىٰ رأت أن هُناك ثلاثة جُثث آخرىٰ غير السيدة، نهضت مَلك واقِفة وهيَ تردِف قائِلة:-

 

_طب أزاي دول ميتين من عشرين سنه! الجُثث مِش مُتحلله بأكملها، فيه سِر غريب بالموضوع، كمان الدم إللي في الحَمام بتخيله كُل شويه، مِش يمكِن يكون حقيقة! لا فيه حاجه غريبه يا بشمهندس كَريم.

 

_بعيدًا عن إنك بتتكلمي وكأنك مثلًا بتقولي هنزل أشتري حاجه جديدة، ولَكِن عندك حق أقتنعت.

 

نظرت لهُ مَلك بغضب، بينما جائت لتتحدث ولَكِن قد وقعت عيناها علىٰ شيءٍ ما يلمّع بينَ الجُثث، هبطت إلىٰ مستواه وقامت بإلتقاطهِ وهيَ تنظُر لهُ بصدمة كبيره، بينما ظلّت تُتمتم قائِلة:-

 

_مِش معقول، لا مِش معقول هيَ!.

 

صوت فتح باب المنزِل جعلها تستمع لهُ، عادت للنهوض واقفه لمستواها، وهيَ تقوم بإغلاق باب الغُرفة سريعًا، وهيَ تهمِس قائِلة لهُ:-

 

_رجع السرير مكانهُ بسُرعه أعمل أي حاجه وأنزل معاهم.

 

بينما ينظُر لها كريم بصدمة.

•••••

يُتبع.

 

 

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *