افتتاح المتحف المصري 1
المشهد الأول: هرجٌ ومرج قبل الحدث
كانت القاهرة تغلي كمرجلٍ من الحماس، هرجٌ ومرج في كل مكان، سيارات الإعلام تصطف على جوانب الطريق، والناس يركضون هنا وهناك في استعدادٍ كامل لحدثٍ يُقال إنه الأضخم في تاريخ مصر الحديث: افتتاح المتحف المصري الجديد.
الهواء محمّل بروائح الغبار والعرق والقلق، والعيون تتطلع نحو الأفق كأنها تنتظر شيئًا أعظم من مجرد افتتاحٍ رسمي.
كنت أقف أمام باب بيتي أراقب المشهد، أتمتم في سري:
كأن مصر كلّها بتتنفّس النهارده من جديد…”
المشهد الثاني: دعوة غير متوقعة
جاء صديقي المقرب هادي، والاسم كما أقول دومًا ليس على مسمّاه، فهدوءه لا يُرى إلا في الاسم فقط.
طرق الباب بقوة، ودخل قبل أن أجيبه.
ابتسم وهو يقول بسخريته المعتادة:
يلا يا عثمان، نروح الافتتاح؟
افتتاح إيه؟ المتحف؟
أيوه يا سيدي، اهو بالمرة يتعملّك تمثال الطباخ، وتحط عليه لقب “الصحفي العظيم عثمان الطبّاخ”!
نظرت إليه بامتعاض، وقلت ضاحكًا:
امشي من هنا يا هادي، لسه فايق من النوم
ضحك بصوتٍ عالٍ ثم جلس على الكرسي المقابل لي:
بس بجد يا عثمان، مش حاسس إن الموضوع غريب؟ افتتاح ضخم كده في الوقت اللي مصر بتمر فيه بأزمات؟
عادي يا هادي، مصر دايمًا واقفة على رجليها مهما حصل.
لا لا، أنا حاسس إن في سر، سر كبير وخطير كمان… وليه دايمًا الحفلات دي حوالين الأهرامات؟
المشهد الثالث: ريبة في الهواء
ساد صمتٌ قصير بيننا، تبادلنا النظرات وكأننا نقرأ أفكار بعض.
كنت أشعر في أعماقي أن ما يقوله ليس مجرد خيال.
قلت وأنا أحاول التخفيف من التوتر:
خلاص يا سيادة المتآمر الكبير، هنروح ونشوف بنفسنا.
فعلاً؟
أيوه، وناخد معانا “دارين” زميلتنا الصحفية. هي عندها كارت دعوة رسمي.
ابتسم هادي بخبثٍ وقال:
دارين؟ أهو الموضوع ابتدى يحمى بقى. شكل الليلة دي فيها مفاجآت.
ضحكت رغم توتري، لكن قلبي كان يشعر أن وراء هذا الافتتاح شيئًا أكبر من مجرد احتفال ثقافي…
شيئًا غامضًا ينتظر أن يُكشف وسط أنوار الكاميرات وضحكات المسؤولين.
المشهد الرابع: ما قبل الحقيقة
بينما كنا نستعد للمغادرة، التقطت هاتفي وقرأت الرسالة التي وصلت من جهة مجهولة:
احذروا الليلة… ما سيُفتح لن يُغلق أبداً.”
تسارعت أنفاسي، ونظرت إلى هادي.
في رسالة غريبة وصلتلي…
رسالة؟ من مين؟
معرفش، بس شكلها مش هزار…
تبدّل وجهه الجاد وقال بنبرةٍ منخفضة:
قلتلك من الأول، الافتتاح ده مش طبيعي…
المشهد الخامس: عند أقدام الأهرامات
وصلنا إلى موقع الافتتاح قبل الغروب بقليل، وكانت الأهرامات تتلألأ خلف الستار الذهبي الذي أعدّوه للمراسم.
الأضواء تسطع، والموسيقى الفرعونية تعزف ألحانًا تثير في النفس شيئًا بين الرهبة والانبهار.
الناس متجمّعة، الصحفيون يلتقطون الصور، والمذيعات يتحدثن بحماس مصطنع عن “الحدث الأعظم في القرن الحادي والعشرين”.
وقفتُ بجانب هادي ودارين وسط الزحام.
دارين كانت تمسك بالكاميرا بعصبية، بينما هادي يلتفت يمينًا ويسارًا كمن يبحث عن خطرٍ خفي.
عثمان، أنا مش مرتاحة… الجو غريب، حاسّة في حاجة غلط.
قالت دارين وهي تراقب رجال الأمن الذين يحيطون بالمكان.
ما تقلقيش يا دارين، كله تمام. دي مصر، بتعرف تبهر العالم حتى لو الدنيا بتولّع.
ردّ هادي ساخرًا:
تبهر؟ دي شكلها هتفتح بوابة للعالم الآخر يا عم عثمان.
ضحكت بخفة، لكن الحقيقة أن قلبي بدأ يدق بسرعة غريبة.
تقدّم الوزير لإلقاء كلمته، وصوته تردّد بين الصخور العتيقة:
اليوم نحتفل بعودة التاريخ إلى الحياة…”
همس هادي في أذني:
سمعته؟ قال عودة الحياة مش إحياء التاريخ! في فرق كبير يا صاحبي.
ابتلعت ريقي بصعوبة، ونظرت إلى المنصة.
كانت هناك قطعة أثرية ضخمة مغطاة بقماش أسود في منتصف القاعة المفتوحة.
اقترب أحد العمّال لرفع الغطاء، وفجأة… هبّت ريح قوية كأنها خرجت من باطن الأرض!
الناس شهقوا، الكاميرات اهتزت، والإضاءة انخفضت للحظةٍ مريبة.
دارين تمسكت بذراعي وهي تصرخ:
إيه ده؟! فين الصوت ده جاي منين؟!
قلت بصوتٍ خافت:
ده مش صوت… ده أنين!
المشهد السادس: الباب الذي لا يجب أن يُفتح
في لحظةٍ خاطفة، انشقّ الغطاء عن التمثال، كاشفًا وجهًا فرعونيًا مهيبًا، عيناه من حجارة زرقاء تتلألأ بضوءٍ غامض.
ارتج المكان كله، وسُمع صوت كأنه همس بلغاتٍ غير مفهومة.
الناس بدأوا يركضون في كل اتجاه، صراخٌ هنا، وصوت تحطّم هناك.
هادي صرخ وهو يشدّني بعيدًا:
قلتلك في سر! قلتلك يا عثمان في مصيبة!
لكنني لم أستطع التحرك، كأن شيئًا ما يشدني نحو التمثال.
شعرت بحرارةٍ في صدري، كأن نداءً داخليًا يهمس باسمي.
دارين تمسكت بي بعنف:
عثمان، فوق! امشي من هنا!
نظرت إلى وجه التمثال، وفي تلك اللحظة…
تحركت الشفاه الحجرية ببطءٍ وقالت بصوتٍ أجشّ:
من الذي تجرأ وأيقظني؟”
تجمّد كل شيء حولي.
هادي وقف مصعوقًا وهو يتمتم:
يا ستير يا رب… التمثال اتكلم؟!
المشهد السابع: سرّ المتحف
بعد لحظاتٍ من الفوضى، تدخل الأمن وأُغلقت المنطقة بسرعة.
الناس طُلب منهم المغادرة، لكنني بقيت هناك أراقب.
التمثال عاد إلى السكون، والريح هدأت، لكن…
في عينيه ظلّ ضوءٌ أزرق خافت، كأنه ينتظر لحظة أخرى ليعود من جديد.
دارين قالت بخفوتٍ وهي تلتقط أنفاسها:
عثمان… إنت شفت اللي أنا شوفته؟
أيوه… بس أوعي تتكلمي لحد دلوقتي.
ليه؟
لأن اللي حصل النهارده مش لازم الناس تعرفه… لسه.
هادي ابتسم رغم خوفه وقال:
يا عم عثمان، أنا قلتلك، في سر… بس ما كنتش متخيل إنه يكون سرّ من آلاف السنين.
المشهد الثامن: الهمس في الظلام
كانت الساعة تقترب من الثالثة بعد منتصف الليل.
القاهرة صامتة كأنها فقدت أنفاسها بعد صدمة النهار.
جلستُ في غرفتي، أحاول أن أستوعب ما حدث في الافتتاح.
كل المشاهد تدور في رأسي كدوامة: التمثال، العيون الزرقاء، الريح، الصوت الغريب…
أغمضتُ عيني لعلّ النوم يزورني، لكن…
ذلك الصوت عاد.
عميقٌ، غامض، كأنه يخرج من بين جدران عقلي لا من العالم الخارجي.
عثمان… اقترب الوقت… لا تُخبر أحدًا… مفتاح البوابة بين يديك.”
قفزتُ من السرير، قلبي يخفق كطبول الحرب.
أمسكت هاتفي بسرعة، واتصلت بهادي:
هادي! انت صاحي؟
بصوت ناعس لأ، كنت بحلم إني في المريخ… في إيه؟
التمثال! كلمّني… سمعته دلوقتي.
نهض بأستغراب ودهشه
إيه؟! التمثال؟!
آه، قال اسمي! وقال إن في مفتاح… المفتاح عندي!
طب استنى، ما يمكن ده حلم يا عثمان.
لأ يا هادي، الحلم ملهوش نبض… وأنا حاسس إن الكلام ده حقيقي.
المشهد التاسع: استدعاء دارين
في الصباح، اجتمعنا الثلاثة في مكتب الجريدة.
دارين بدت مرهقة، عيناها حمراء من السهر، وعلى وجهها قلق واضح.
أنا كمان سمعت حاجة، صوت بيهمس… قاللي: السر في الظل… اتبعي النور.
نظرتُ إليها بدهشة، وهادي ضرب كفًا بكف:
أهو كده بقى، الموضوع مش صدفة… التمثال بيتكلم معانا احنا التلاتة!
أخرجت دارين من حقيبتها صورة التمثال التي التقطتها قبل انقطاع الإضاءة.
كانت الصورة مشوشة قليلًا، لكن شيء ما لفت انتباهنا جميعًا:
على صدر التمثال، وُجد نقش لم يكن ظاهرًا قبل الافتتاح.
رمز غريب، أشبه بعينٍ داخل مثلث، وبجانبه خطوط تشبه خريطة.
قلت متوترًا:
ده معناه إن في مكان تاني… حاجة لسه مستخبية في المتحف.
طب هنروح إزاي؟ الأمن قافل المكان بعد اللي حصل.
الصحفيين دايمًا ليهم طريقهم الخاص.
المشهد العاشر: دخول المتحف ليلًا
حلّ الليل من جديد، والمدينة غارقة في صمتٍ ثقيل.
تسللنا خلسة إلى محيط المتحف، نتحرك بين الظلال بخطواتٍ محسوبة.
دارين كانت تحمل كاميرتها، وهادي بيده كشاف صغير.
عثمان، أنا حاسس إننا بنعمل مصيبة.
يمكن، بس المصايب دي اللي بتكتب التاريخ.
دخلنا من الباب الجانبي الذي كان نصف مفتوح، وكأن أحدًا ينتظرنا.
الممرات مظلمة إلا من وهجٍ خافتٍ قادم من بعيد.
كان الضوء يصدر من قاعة التمثال نفسه.
اقتربنا ببطء، حتى رأينا ما جعل أنفاسنا تتوقف:
التمثال لم يكن في مكانه.
شهقت دارين:
اختفى؟!
يا ستير… ده مش تمثال عادي خالص.
همست بصوت منخفض
ششش… في صوت.
كان هناك همس يأتي من القاعة، نفس الصوت الذي سمعته في رأسي من قبل، لكن هذه المرة أوضح… أقوى…
اقتربوا… من يعبر معي سيُعرف السرّ… ومن يتراجع… سيبقى في الظلام.”
هادي بصوتٍ مرتجف:
أنا كنت فاكرني بحب الرعب… بس مش للدرجة دي.
المشهد الحادي عشر: الباب المنسي
تقدّمنا نحو الجدار الذي كان خلف التمثال، وهناك ظهرت فجوة صغيرة تشبه بابًا حجريًا قديمًا، منقوش عليها نفس الرمز الذي كان على صدر التمثال.
مددت يدي ألمس الحجر… وفجأة، تحرك الباب ببطء، كأن الزمن نفسه يدفعه من الداخل.
هبّت نسمة باردة كريحٍ من عالمٍ آخر، وانطفأت الأنوار كلها.
دارين صرخت:
عثمان! الباب بيتفتح!
امسكي في إيدي!
وعندما فُتح الباب بالكامل، أضاء نورٌ غامض المكان…
وكان خلفه درجٌ طويل ينزل إلى أعماق الأرض.
هادي تمتم بخوفٍ:
هننزل؟
نظرت إليهما بثبات نزلنا خلاص يا هادي… مفيش رجوع.!


[…] اقرأ قصة افتتاح المتحف المصري من هنا. […]
جميل جدا تسلم ايدك
عااش
الله ايه الابداع ده شوقتيني
يخليلي ياك❤♡
الجزء التاني بقا
بانتظارك كاتبتي