
سر صندوق الفرعوني
للكاتبة صباح البغدادي
المشهد الخامس: الرؤيا التي لم تكن حلمًا
ليلٌ ثقيل يخيّم على الغرفة. الساعة تشير إلى الثالثة فجرًا، والمدينة تغرق في صمتٍ لا يُكسره سوى صفير الريح وهي تضرب الزجاج.
كانت صافي تتقلّب على سريرها، عيناها نصف مفتوحتين، ووجهها يلمع بالعرق. تشهق أحيانًا، وتهمس بكلماتٍ غير مفهومة. كأنها تحارب حلمًا لا يريد أن ينتهي.
في الحلم، كانت تسير في ممرٍ حجري طويل، الجدران عليه نقوش مضيئة بلونٍ أزرق غريب. المشاعل تشتعل من تلقاء نفسها، والهواء بارد كأنما خرج من صدرٍ حجريٍ قديم.
وفجأة، صوّت يناديها من بعيد:
يا من أيقظتِ النور… لقد عُدتِ إلينا.”
التفتت بخوف، لتجد وجهًا فرعوني الملامح، عيناه بلون البحر الغارق، وصوته يخرج كأنه من بطن الأرض.
صافي شهقت، وصرخت فاستيقظت، والعرق يبلّل شعرها. مدت يدها بارتجاف إلى الكفّ، فرأت الرمز ما زال هناك، يضيء بخفوتٍ كأنه ينبض نبضًا بشريًا.
همست لنفسها:
ده مش طبيعي… دي مش مجرد علامة!”
رنّ الهاتف فجأة فصرخت، ثم التقطته بيدٍ مرتعشة:
أيوه يا تُقى؟”
جاء صوت تُقى مرتبكًا:
صافي، إنتي كويسة؟ كنتِ بتكتبي في الجروب كلام غريب، حروف مش مفهومة وعبارات عن النور والرمز!”
صافي اتسعت عيناها، فتحت واتساب بسرعة، فرأت رسائل مرسلة منها قبل عشر دقائق —
كلمات غريبة مرسومة بحروف فرعونية… وأشكالٍ تشبه الأفعى والعين والقرص الشمسي.
يا رب استر… أنا ما كتبتش الكلام ده!”
دخلت كوكي على المكالمة، ضاحكة بنصف خوف:
يا بنتي شكلك نسيتي تشغلي الواي فاي وفتحتِ بوابة الفراعنة بالغلط! ده أكيد فيلم رعب إنتاج جامعة القاهرة!”
ضحكت تُقى بخوف:
كوكي، بلاش هزار. صافي، لازم نروح المخزن تاني بكرة. في حاجة مش طبيعية بتحصل.”
صافي قالت ببطء وهي تحدّق في الكفّ:
الكفّ بينوّر لما أسمع الصوت ده… كأنه بيناديني.”
صرخت تُقى:
ما تردّيش عليه! لو سمعتيه تاني ما تردّيش!”
لكن النور في الغرفة خفت فجأة. سقط الهاتف من يدها، وتحوّل الضوء الأزرق إلى وهجٍ يملأ المكان.
ظهر على الحائط ظلّ رجلٍ فرعونيّ يرتدي تاجًا ذهبيًا، وملامحه مألوفة من حلمها.
أنا رع حور… وحان وقت العودة.”
صافي ارتجفت:
إيه ده؟! إزاي دخلت هنا؟!”
لم أدخل… بل أنتِ من فتحتِ الباب بين عالمينا.”
تراجعت خطوتين، وهمست:
أنا عملت إيه بالظبط؟!”
لقد بدأتِ النبوءة… يا صافي بنت النور.”
ثم اختفى كل شيء.
لكن الكف ظلّ يضيء… وكأن نبضه صار متصلاً بقلبها.
المشهد السادس: الزمنان يتقاطعان
الهواء كان ثقيلًا… الرمال تدور في دوّاماتٍ صغيرةٍ كأنها تحاول طرد الفتيات من المكان.
كانت صافي، تُقى، كوكي، وأروى يقفن في صحراء غريبة، السماء رمادية تشبه ساعة العاصفة.
وأمامهن… مشهد لا يصدّق.
جنود فرعونيون بأزياء مذهّبة، يقفون في صفوفٍ طويلة، يقابلهم موكب عثمانيّ ضخم يحمل راياتٍ حمراء وذهبية.
كأن التاريخ قرر أن يتقاتل أمام أعينهن.
كوكي شهقت:
هو إحنا في متحف ولا في كابوس؟! الفرعنة والعثمانيين سوا؟ يعني الزمن اتجنن؟!”
تُقى ردّت بتوتر:
يمكن الدكتور رش علينا غاز منومي! يا ريتني ما جيت معاكم الرحلة دي!”
لكن أروى صاحت:
ده مش حلم يا تُقى! بصي حواليكي! شمي الهوا، حسّي الرمل… ده واقع!”
كانت صافي واقفة في المنتصف، شعرها يطير، والكفّ يضيء أكثر كلما اقتربت الجيوش منها.
اقترب أحد الفراعنة، طويل القامة، يحمل رمحًا مرصّعًا. نظر إليها بعمقٍ وقال بلغةٍ غريبة لكنها فهمتها دون أن تعرف كيف:
أنتِ… الحارسة المختارة؟”
أنا؟! مش فاهمة إنت بتقول إيه!”
الزمن انكسر… والبوابة فُتحت قبل موعدها. دم النور فيكِ، يا صافي.”
كوكي صاحت:
دم إيه؟! هو إحنا في فيلم مصاصين ولا إيه؟!”
لكن صافي لم ترد.
فجأة، سُمعت أصوات خيولٍ قادمة بسرعة، ورجل عثماني ينزل من جواده. كان قويّ النظرة، يضع سيفًا مذهّبًا على خصره.
من الذي تجرّأ على فتح البوابة؟ هذا خرقٌ للعهد القديم بين الزمانين!”
ارتفعت الأسلحة. الجوّ امتلأ بتوترٍ لا يُحتمل.
تُقى صرخت:
حدّ يوقف الفيلم ده! أنا هموت من الخوف!”
لكن صافي كانت صامتة. عيناها تلمعان بالزرقة.
قالت بصوتٍ غريبٍ لا يشبه صوتها:
أنا ما فتحتش البوابة… هي اللي نادتني.”
ثم أضاءت التميمة بشدة، وخرج منها شعاعٌ ضرب السماء، وصوتٌ عميق قال:
لقد عاد النور… وعاد الظلام معه.”
سقط الجميع أرضًا فرعنة، عثمانيون، وصديقات صافي
بينما الأرض تهتزّ والسماء تتلون بالأزرق والذهبي.
وصافي وحدها بقيت واقفة، يحيطها الضوء، وعيناها تشتعلان بالزرقة.
أروى بصوتٍ باكي: “صافي! انتي بتعملي إيه؟!”
صافي: “أنا مش عارفة… بس في حاجة جوايا فاكرة المكان ده… كأني كنت هنا قبل كده.”
ثم سُمع الصوت من داخل البوابة الحجرية:
عودي يا حارسة النور… فالماضي لا يحتمل عبور البشر من جديد.”
المشهد السابع: لعنة الضوء والدم
استيقظت صافي على صرخة تُقى. كانت الرمال اختفت، والمكان تحوّل إلى قاعة أثرية داخل الجامعة.
لكن الأرض ما زالت تهتزّ قليلاً، وصوت الأجراس في البعيد يملأ المكان.
كوكي تمسكت بذراعها:
قولولي ده حصل بجد؟! كنا فين؟! إيه اللي رجّعنا؟!”
أروى نظرت حولها بخوف:
يمكن البوابة قفلت… بس ليه إيدك لسه بتنور يا صافي؟!”
صافي حدّقت في كفّها. الضوء أصبح أضعف، لكن خطوط الرمز تغيّرت شكلها… كأنها الآن تكتب كلمة جديدة:
الدم الأخير.”
همست تُقى:
يعني إيه دم أخير؟!”
صافي بصوتٍ منخفض:
يمكن… يعني إن في تضحية جاية.”
ثم نظرت إلى الأفق من خلال النافذة المكسورة، وقالت كأنها تحكي لنفسها:
يمكن النور اللي بيحاول يرجع… هو نفسه اللي حينهي كل حاجة.”
وصدى الصوت القديم عاد من بعيد، من أعماق ذاكرتها:
حين يتقاطع الزمن… تختار الحارسة بين النور والدم.”
وسقطت دمعة من عين صافي، وهي تشعر أن ما ينتظرها… ليس سوى بداية لعنة جديدة.
اقرأ الفصل الأول من هنا.



