الواتباد والفوبيا
بقلم صبا البغدادي
المشهد الأول: مفاجأة الصدمة
كنتُ أتصفّح موقع “فيسبوك” كعادتي، أتنقّل بين المنشورات بلا هدفٍ واضح، حين استوقفني سيلٌ من العناوين المتشابهة، وكأنّ الجميع يتحدث في الموضوع ذاته.
كانت الكلمات تتكرّر أمام عيني: “إغلاق موقع واتباد للروايات!”
تجمّعت التعليقات تحته كأمواجٍ متلاطمة؛ البعض يعبّر عن غضبه ورفضه، وآخرون يبدون سعادتهم وكأنهم تخلّصوا من عبءٍ ثقيل، وبينهم من يبحث عن حقيقة الأمر: متى أُنشئ الموقع؟ ومن هو صاحبه؟
أحسستُ بفضولٍ يجرّني لقراءة المزيد، لكنّ صوت صديقتي نهى قطع شرودي وهي تقول بصوتٍ مرتجف:
– نرمين! شوفتي الخبر؟ الواتباد هيتقفل! كل رواياتي هتروح!
المشهد الثاني: برودٌ يقابِل الذعر
رفعتُ رأسي نحوها ببطء، بينما كانت ملامحها تمتلئ بالقلق، وعيناها تلمعان كمن فقد كنزًا.
أجبتها ببرودٍ مقصود:
– أحسن، يا نهى، يتقفل. ده عالم متّسخ من الأساس.
سكتتُ لحظة، أراقب تأثير كلماتي عليها. لم تتوقّع مني تلك الإجابة، فصرخت بانفعالٍ صادق:
– متسخ إزاي يا نرمين؟!
تقدّمت نحوي خطوة، وكأنها تدافع عن حبٍّ قديم.
– هاتِ لي أي شيء في الدنيا نضيف! كل حاجة فيها الحلو والوحش. بس فوقي يا نرمين، إحنا مش عايشين في المدينة الفاضلة!
المشهد الثالث: صدام القناعات
لم أردّ، فقط ظللت أنظر إليها بهدوءٍ يثير استفزازها أكثر.
تابعت هي بانفعالٍ متصاعد:
– لو حابة الفضيلة أوي، اقفلي كل المواقع. عندِك الفيس! مش هو كمان فيه الوحش والحلو؟!
أنتِ اللي بايدِك تحددي تتجهي لمين، تختاري إيه وتسيبي إيه… بس متعمّميش الغلط يا نرمين!
تنهّدتُ بعمق، كأنّ كلماتها اخترقت شيئًا داخليًّا كنت أهرب منه.
نظرتُ إليها للحظةٍ طويلة، ثم قلت بصوتٍ أكثر هدوءًا:
– يمكن عندك حق يا نهى… يمكن أنا مش بزعل من المواقع، بزعل من اللي بيستخدموها غلط.
المشهد الرابع: لحظة إدراك
ساد الصمت بيننا لثوانٍ، لم يُسمع سوى أنفاسنا المتقطّعة.
ثم ابتسمت نهى ابتسامة خفيفة، وقالت مازحة:
– يعني خلاص؟ مش هتدعي إن الواتباد عالم متسخ تاني؟
ضحكت رغمًا عني، وقلت:
– لا، بس هفضل أقول إنه سلاح ذو حدين… زي كل حاجة في الدنيا.
جلستُ على الكرسي، أعدتُ فتح هاتفي، ومررت بإصبعي على شاشة “الفيسبوك”، لكنّ نظرتي هذه المرّة كانت مختلفة… أكثر وعيًا، أقلّ حكمًا.
ربما لم يكن الخطر في “الواتباد”، بل في الطريقة التي نرى بها العالم.
المشهد الخامس: من الانتقاد إلى الابتكار
مرّت أيام قليلة بعد تلك المحادثة، ولم يفارق الخبر ذهني. كنتُ أعود إليه في كل مرة وكأنه لغزٌ ينتظر الحل.
تساءلت: من هو صاحب “واتباد”؟ متى بدأ؟ وكيف استطاع أن يجمع ملايين الكتّاب والقرّاء في مكانٍ واحد؟
بدأتُ أبحث ليلًا، أتنقّل بين المواقع والمقالات باللغتين، أقرأ عن فكرة تأسيس المنصّة في كندا، وعن الحلم الذي بدأ من شغفٍ بسيط بالكتابة والقصص.
شيئًا فشيئًا، شعرتُ بشيءٍ غريب يشتعل داخلي… حماس، أو ربما تحدٍّ.
وقفت أمام المرآة، أحدّث نفسي بصوتٍ خافت:
– ليه لأ؟ أنا خريجة تكنولوجيا المعلومات، وعندي خبرة في البرمجة. أقدر أعمل حاجة تشبه واتباد… بس تكون أنظف، أعمق، فيها روحنا إحنا.
قضيتُ الليل أمام شاشة الحاسوب، أدوّن أفكاري، أرسم واجهات التطبيق، أختار الألوان وأتخيّل القرّاء وهم يكتبون رواياتهم داخل منصّتي.
ولأول مرة منذ زمن، شعرتُ أنني لا أهاجم العالم… بل أشارك في صنعه.
ابتسمتُ، وأنا أتمتم لنفسي:
– يمكن “الفوبيا” من واتباد كانت أول خطوة علشان أخلق عالمي أنا. عالم نضيف… بس مش مثالي.
المشهد السادس: رسالة من الظلّ
في إحدى الليالي، بينما كانت نرمين تعمل على تصميم التطبيق، جلست نهى بجوارها تُراجع بعض النصوص. الجو كان هادئًا، لا يُسمع سوى صوت لوحة المفاتيح وإيقاع المطر خلف النافذة.
فجأة، ظهر إشعار غامض على شاشة الحاسوب.
رسالة مجهولة من مصدر غير معروف… لم يكن بريدًا عاديًا، بل نافذة سوداء ظهرت من العدم، تحمل سطرًا واحدًا بلونٍ أحمر داكن:
“توقّفا عن البحث… أنتما تقتربان من شيء قد يُدمّركما.”
تجمّدت نهى في مكانها، حدّقت في الشاشة بعينين متسعتين:
– إيه ده يا نرمين؟ مين ده؟
حاولت نرمين إغلاق النافذة، لكنّها لم تختفِ، بل تحوّل السطر إلى آخر:
“أنتم لستم وحدكم في هذا العالم الرقمي… بعض الأبواب لا يجب أن تُفتح.”
ارتجفت أنامل نرمين وهي تضغط على المفاتيح.
– يمكن هاكر، يمكن تهديد… بس الرسالة مش عادية.
نظرت نهى إليها بخوفٍ حقيقي:
– إنتِ فتحتِ مواقع غريبة الفترة دي؟
ردّت نرمين بصوتٍ منخفض:
– يمكن… وأنا بدوّر على أصل واتباد دخلت روابط مش موثوقة.
سكتت للحظة، ثم قالت بجديةٍ وارتباك:
– بس مين ممكن يعرف إننا بنبحث عن ده بالضبط؟
حلّ الصمت من جديد، والمطر ازداد عنفًا كأنّ السماء تحذّرهما هي الأخرى.
ومن خلف النافذة، انعكست على الزجاج صورة الشاشة الحمراء، تبدو كعينٍ تراقبهما بصمتٍ ثقيل.
ربما لم يكن الخطر في إغلاق “واتباد”…
بل في فتح الأبواب التي لا يجب أن تُفتح.
المشهد السابع: الاختراق
في اليوم التالي، حاولت نرمين تجاهل ما حدث. أقنعت نفسها أن الرسالة مجرد تهديد إلكتروني عشوائي، لكن قلبها لم يصدق تلك الكذبة.
فتحت الحاسوب من جديد لتكمل تصميم التطبيق، فلاحظت شيئًا غريبًا…
الكود البرمجي الذي كانت تكتبه بالأمس تغيّر!
هناك أسطر لم تكتبها، رموز غامضة ظهرت وسط المشروع، وكأن أحدهم يشاركها العمل من بعيد.
صرخت:
– نهى! تعالي بسرعة!
اقتربت نهى وقرأت السطور على الشاشة، ثم قالت بخوفٍ متزايد:
– دي شيفرات… بس غريبة، مش بلغة برمجة عادية.
نرمين همست:
– دي لغة نظام مخفي… ديب ويب.
وبينما كانت تحاول حذفها، انطفأت الشاشة فجأة.
ثم أضاءت من جديد لتعرض مقطع فيديو قصير، مشوّش الصورة، يظهر فيه شخص مغطى الوجه، صوته مشوّه ومخيف:
“توقّفتما عن الطاعة… ما تبحثان عنه ليس مجرد تطبيق… بل مفتاح. مفتاح لعالمٍ خفيّ تمّ إخفاؤه داخل خوادم واتباد منذ سنوات.
تراجعا… قبل أن يُغلق الباب عليكما.”
شهقت نهى وسحبت يد نرمين بعيدًا عن الجهاز:
– اقفليه! اقفليه فورًا!
لكن الجهاز لم يطِعها. ظلّ الصوت يكرّر جملة واحدة مرارًا وتكرارًا:
أنتم الآن جزء من اللعبة.”
وفي اللحظة التالية… انطفأت كل الأضواء في الغرفة، وغرق المكان في ظلامٍ دامس، لا يُرى فيه سوى وهجٍ خافت من شاشة الحاسوب التي ما زالت تومض كقلبٍ حيّ يلفظه الخطر.





جميل جدا
تسلم
تحفة يا متألقة استمري وانا هادعمك
يخليلي ياك ♡